سنة سبعين ومانة

وفيها توفي الخليفة الهادي موسى بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله، قيل مات من قرحة أصابته، وقيل قتلته أمه الخيزران لما هم بقتل أخيه هارون الرشيد. وفيها توفي أبو النضر جرير بن حازم الأزدي البصري، احد فصحاء البصرة ومحدثيها، روى عن الحسن والكبار. وفيها توفي أبو معشر السندي صاحب المغازي والأخبار، وفيها مات كاتب المهدي ووزيره معاوية بن عبد الله، وكان من خيار الوزراء، صاحب علم وفضل وعبادة وصدقات. وفيها توفي الربيع بن يونس حاجب المنصور، كان كثير الميل إليه، حسن الاعتماد عليه، فقال له يوماً: يا ربيع سل حاجتك، قال: حاجتي أن تحب ابني، فقال: ويحك إن المحبة تقع بأسباب، فقال: قد أمكنك الله من ايقاع سببها، قال: وما ذاك؟ قال: تفضل عليه فإنك إذا فعلت ذلك أحبك، وإذا أحبك أحببته، قال: والله قد أحببته وقد حببته إلي قبل إيقاع السبب، ولكن كيف اخترت له المحبة دون كل شيء؟ قال لأنك إذا أجبته كبرعندك صغير إحسانه، وصغرعندك كبير إساءته، وكانت ذنوبه كذنوب الصبيان، وحاجته إليك كحاجة الشفيع العريان، قيل: اشار بذلك إلى قول الفرزدق:

ليس الشفيع الذي يأتيك متزراً ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا

وهذا البيت من جملة أبيات له في عبد الله بن الزبير بن العوام، لما طلب الخلافة لنفسه، واستولى على الحجاز والعراق واليمن في أيام خلافة عبد الملك بن مروان، وكان قد اختصم الفرزدق هو وزوجته النوار، فمضيا من البصرة إلى مكة ليفصل الحكم بينهما عبد الله بن الزبير، فنزل الفرزدق عند ابنه حمزة، ونزلت النوار عند زوجته، وشفع كل واحد منهما لنزيله، فقضى عبد الله للنوار، وترك الفرزدق، فقال الأبيات المذكورة، فصار الشفيع العريان مثلاً يضرب لكل من قبلت شفاعته. قلت وهذا يرد قول من يزعم أن هذا المثل في هذا النظم من اختراع أبي نواس مخاطباً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015