لك الراوية؟ فقال: اني أروي لكل شاعر تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به، ثم أروي الأكثر منهم ممن تعرف أنك لا تعرفه ولا أسمعت به، ثم لا ينشدني أحد شعراً قديماً ولا حديثاً إلا ميزت القديم من الحديث، فقال له: فكم مقدار ما تحفظ من الشعر؟ فقال: كثير، ولكنني أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام، فقال: سأمتحنك في هذا، وأمره بالإنشاد فأنشد حتى ضجر الوليد، ثم وكل به من استخلفه إن يصدقه عنه ويستوفي عليه، فأنشده ألفين وتسع مائة قصيدة جاهلية، فأخبر الوليد بذلك، فأمر له بمائة ألف درهم. وذكر الحريري صاحب المقامات في كتابه درة الغواص ما مثاله: قال حماد الراوية: كان انقطاعي إلى يزيد بن عبد الملك بخلافته، وكان أخوه هشام يحقدني لذلك، فلما مات يزيد وتولى هشام خفته، ومكثت في بيتي سنة لا أخرج إلا إلى من أثق به من إخواني سراً فلما لم أسمع أحداً ذكرني في السنة أمنت فخرجت يوماً أصلي الجمعة بالرصافة، فإذا شرطيان قد وقفا علي، وقالا يا حماد، اجب الأمير، فقلت في نفسي: من هذا كنت أخاف، ثم قلت لهما: هل لكما أن تدعاني حتى آتي أهلي فأودعهم وداع من لا يرجع إليهم ثم أسير معكما؟ فقالا: ما إلى ذلك سبيل، فاستسلمت في أيديهما، فمثلت إلى الأمير على العراق، وهو في الإيوان الأحمر، فسلمت عليه، فرد علي السلام، ورمى إلي كتاباً فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عند هشام أمير المؤمنين إلى فلان ابن فلان أمير العراق. أما بعد فإذا قرأت كتابي هذا فابعث إلى حماد الراوية من يأتيك به من غير ترويع، وادفع له خمس مائة دينار وجملاً مهرياً يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق، قال: فأخذت الدنانير، ونظرت فإذا جمل مر حول، فركبته وسرت، حتى وافيت دمشق في اثنتي ليلة، فنزلت على باب هشام واستأذنت فأذن لي، فدخلت عليه في دار قوراء مفروشة بالرخام وبين كل رخامتين قضيب ذهب، وهشام جالس على طنفسة حمراء، وعليه ثياب حمر من الخز، وقد تضمخ بالمسك والعنبر، فسلمت عليه فرد علي السلام، فاسدناني فدنوت منه حتى قبلت رجله، فإذا جاريتان لم أر مثلهما قط في أذن كل جارية حلقتان فيهما لؤلؤتان تتقدان، فقال: كيف أنت يا حماد؟ وكيف حالك؟ فقلت: بخير يا أمير المؤمنين، فقال: اتدري فيما بعثت إليك؟ قلت: لا فقال: بسبب بيت خطر ببالي لا أعرف قائله،