سرق فيها لبعض الناس شيء، فاتهموا سفيان لكونه غريباً عندهم، وأتوا به إلى معن بن زائدة وقالوا له: اصلح الله الأمير، هذا سرق متاعنا وأنكر، فقال له معن: ما تقول؟ قال ما أخذت لهم شيئاً. فقال لمن حوله: فقوموا فلي معه كلام، فلما بعدوا عنه قال ما اسمك؟ قال: أنا عبد الله، قال ابن من؟ قال: ابن عبد الله، قال: قد علمت أن الناس كلهم عبد الله وأبناء عبيد الله، قال ما اسمك الذي سمتك به أمك؟ قال سفيان، قال: ابن من؟ قال ابن سعيد، قال الثوري قال: أبغية أمير المؤمنين؟ قال: فنكت بعود بيده في الأرض ساعة، ثم رفع رأسه لي وقال: اذهب حيث شئت فلو كنت تحت قدمي هذه ما حركتك هذا معنى ما حكي في ذلك إن لم يكن لفظه بعينه، والله تعالى أعلم. وأخبار معن ومحاسنه كثيرة، وكان قد ولي سجستان في آخر أمره، وله آثار وقصده الشعراء بها، فلما كان سنة إحدى وخمسين وقيل سنة اثنتين وخمسين وقيل ثمان وخمسين ومائة بينما هو في داره والصناع يعملون له شغلاً، اندس بينهم قوم من الخوارج فقتلوه وهو يحتجم، ثم تبعهم ابن أخيه يزيد بن مرثد بن زائدة فقتلهم بأسرهم. ولما قتل معن رثاه الشعراء بأحسن المراثي، فمن ذلك قول مروان بن أبي حفصة:

مضى لسبيله معن وأبقى ... مكارم لن تبيد ولن تنالا

كأن الشمسس يوم أصيب معن ... من الإظلام ملبسة جلالا

هوالجيل الذي كانت نزار ... تهد من العدو به الجبالا

فعطلت الثغور لفقد معن ... وقد يروى بها الأسل النهالا

وأظلمت العراق وأوترتنا ... مصيبه المخللة اختلالا

وظل الشام يرجف جانباه ... ويركن العز حين وهي فمالا

وكانت من تهامة كل أرض ... ومن نجد تزول غداة زالا

فإن تعل البلاد له خشوع ... فقد كانت تطول به اختيالا

أصاب الموت يوم أصاب معناً ... من الأحياء أكرمهم فعالا

وكان الناس كلهم لمعن ... إلى أن زار حفرته عيالا

إلى آخر ما قاله من قصيدة فيه طويلة من أولها هذه العشرة الأبيات. وقال عبد الله بن المعتز في كتاب طبقات الشعراء: ادخل مروان بن أبي حفصة على جعفر البرمكي، فقال له: ويحك أنشدتي مرثيتك في معن بن زائدة. فقال: بل أنشدك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015