قال: كان يقلع عينيه، ولا يرى مظعن أحبابه. وذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغانى في ترجمة جرير أنه قال مسعود بن بشر لابن مناذر بمكة: من أشعر الناس؟ قال: من إذا شبب لعب، وإذا طلب جد، فإذا لعب أطمعك لعبه، وإذا رميته أو قال رمته بعد عنك وإذا جد فيما قصدته آيسك من نفسه، قال: مثل من. قال: مثل جرير حيث قال:

إن الذين غد وابليلي غادروا ... وشدا بعينك ما يزال معينا

غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا

ثم قال حين جد شعراً:

إن الذي حرم المكارم تغلبا ... جعل النبوة والخلافة فينا

مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم ... يا خزر تغلب من أب كأبينا

هذا ابن عمي في دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إلي قطينا

قال: فلما بلغ عبد الملك بن مروان قوله، قال: ما زادا ابن كذا وكذا على أن جعلني شرطياً له، اما أنه لو قال: لو شاء ساقكم إلي قطينا لسقتهم إليه كما قال. قلت وهنا الانكار الذي أنكره عليه عبد الملك ظاهر حتى لقد أدركه ولدي عبد الرحمن وهو صغير حين أمليته على الكاتب ووصلت إلى قوله لو شئت أنكره وقال لو شاء، ثم قال أرى أنه يحب أنه عنده عزيز يفعل له ما يشاء، فأعجبني ذلك من نباهته بارك الله تعالى فيه، ووفقنا جميعاً لما يرضيه. وأبيات جرير المذكورات في مهاجاة الشاعر المذكور المشهور المعروف بالأخطل التغلبي وقوله: جعل النبوة والخلافة فينا لأنه تميمي النسب وتميم ترجع إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله يا خزر تغلب خزر بضم الخاء المعجمة وسكون الزاي وبعدها راء هو جمع أخزر مثل أحمر وحمر والأخزر الذي في عينه ضيق وصغر، وهذا الوصف موجود في العجم أو في بعضهم كما هو معروف في الترك، وكأنه نسبه إلى غير العرب. قالوا: وهذا عند العرب من النقائص الشنيعة وقوله: هذا ابن عمي في دمشق يريد بذلك عبد الملك بن مروان والقطين بفتح القاف الخدم والاتباع.

ومن أخبار جرير أيضاً أنه دخل على عبد الملك بن مروان فأنشده قصيدة أولها:

أتصحو أم فؤادك غير صاح ... عشية هم صحبك بالرواح

تقول العاذلات علاك شيب ... لهذا الشيب يمنعني مزاحي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015