شراحيل السعبي الكوفي، وله بضع وثمانون سنة. قال ابن المديني: ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه وسفيان الثوري في زمانه، قيل جد الشعبي من إقبال اليمن من حمير، وهو تابعي جليل القدر وافي العلم، روي أن ابن عمر مر به يوماً وهو يحدث بالمغازي وقال: شهدت القوم وهو أعلم بها مني. وحكى الشعبي قال أنفذني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم، فلما وصلت جعل لا يسألني إلا أجبته، وكانت الرسل لا تطيل عنده فحبسني أياماً كثيرة حتى استحببت خروجي، فلما أردت الانصراف قال لي من أهل بيت المملكة أنت؟ فقلت: لا ولكنني رجل من العرب في الجملة، فهمس بشيء، فرفعت إلي رقعة وقال: اذا أديت الرسائل إلى صاحبك فأوصل إليه هذه الرقعة، قال: فأديت الرسالة عند وصولي إلى عبد الملك، ونسيت الرقعة، فلما صرت في بعض الدار أريد الخروج تذكرتها، فرجعت فأوصلتها إليه، فقال: قرأها وقال لي: اقال لك شيئاً قبل أن يدفعها إليك، قلت: نعم. قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟ قلت: لا ولكني من العرب في الجملة ثم خرجت من عنده، فلما بلغت الباب رددت، قال لي: اتدري ما في الرقعة؟ قلت: لا. قال: فاقرأها، فقرأتها، فإذا فيها عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملكوا غيره، فقلت: والله لو علمت ما حملتها، وإنما قال هذا لأنه لم يرك. قال: افتدري لم كتبها قلت: لا. قال: حسدني عليك، وأراد أن يغريني بقتلك، فتأدى ذلك إلى ملك الروم وقال: ما أردت إلا ما قال. قلت وقول الشعبي وإنما قال هذه لأنه لم يرك صدر عن بلاغة فهم ثاقب، واق من الوقوع في المغاضب أعني أنه مدح عبد الملك بما سكن به ثوران الغضب المؤدي عنذ هيجانه إلى سفك الدماء والعطب، وذلك أن مدح ملك الروم للإمام الشعبي مشتمل على أمرين خطيرين: احدهما أنه رفعه رفعاً ينحط به فضل عبد الملك، وحينئذ يكره أن يبقى مرفوعاً، ويقتضي أن يكون في جنبه موضوعاً، فلما مدحه الشعبي فكأنه قال: لو رأى فضلك لاحتقر فضلي في جنب فضلك، وكان ذلك سبباً لتسكين عبد الملك وحقن دم الشعبي. والثاني أن الرومي أوهم عبد الملك أن الشعبي أحق بالملك منه، فخشي أن يؤول الأمر إلى انتقال الملك منه إليه، كما خشي هارون الرشيد أن ينتقل ملكه إلى الأمام الشافعي لما جرى من الفضائل فجرى له معه ما جرى كما هو معررف في سيرة الشافعي. فلما مدح الشعبي عبد الملك، وخلع عن نفسه خلعة الفضل وألبسها إياه، وكأنه قال: تاج الملك لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015