فاستغفرالله، وإن لم تكن كما قلت فغفر الله لك، فقام إليه الرجل وقبل رأسه وقال: جعلت فداك لست كما قلت فاغفر لي. قال غفر الله لك، فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالته. وسيأتي الأبيات التي قالها فيه الفرزدق لما جاء يستلم الحجر الأسود أعني قوله:
هذا ابن خيرعباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
الأبيات الآتية في سنة عشر ومائة، ومناقبه ومحاسنه كثيرة شهيرة، اقتصرت منها على هذه النبذة اليسيرة. وفيها توفي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد الأئمة الكبار، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.
فيها أراح الله المسلمين بقلعه الحجاج بن يوسف الثقفي في ليلة مباركة لسبع وعشرين من رمضان، وله ثلاث وقيل أربع وقيل خمس وخمسون سنة، قالوا: وكان شجاعاً مقداماً مهيباً فصيحاً مفوهاً بليغاً سفاكاً للدماء عاملاً لعبد الملك بن مروان، ولي الحجاز سنتين ثم العراق وخراسان عشرين سنة، ولما توفي عبد الملك، وتولى ولده الوليد، اقره على ما بيده. وذكر في كتاب التعبير أنه أتي رجل ابن سيرين فقال: اني رأيت على شرفات مسجد المدينة حمامة بيضاء فعجبت من حسنها، فجاء صقر فاختطفها، فقال له ابن سيرين: إن صدقت رؤياك تزوج الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر الطيار. فما مضى إلا يسير حتى تزوجها، فقيل له: يا أبا عبد الله كيف تخلصت إلى ذلك؟ فقال: ان الحمامة امرأة وبياضها نقاء حسنها، والشرفات شرفها، فلم أجد في المدينة امرأة أنقى حسناً ولا أشرف نسباً من ابنة عبد الله بن جعفر، ونظرت في الصقر فإذا هو سلطان ظالم غشوم، فلم أر في السلاطين أصقر من الحجاج بن يوسف. وذكر المسعودي في كتاب مروج الذهب أن أم الحجاج الفارعة بالفاء والراء والعين المهملة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي كانت تحت الحارث بن كلدة الثقفي الطائفي حكيم العرب، فدخل عليها ذات ليلة في السحر فوجدها تخلل أسنانها، فبعث إليها بطلاقها، فأرسلت إليه: لم فعلت ذلك الشيء رابك مني؟ قال: نعم دخلت عليك في السحر وأنت تخللين، فإن كنت بادرت في الغداء فأنت شرهة، وإن كنت بت والطعام بين أسنانك فأنت قذرة، فقالت: كل ذلك لم يكن، لكني تخللت من شظايا السواك، فتزوجها بعده