فتناولت رأسي لتعرف سنه ... لمخضب الأطراف غير مشيخ

قالت وعيش أخي ونعمة والدي ... لأنبهن القوم إن لم تخرج

فخرجت خيفة قولها فتبسمت ... فسلمت أن يمينها لم تلحج

قلت وبعد هذا بيت حذفته كراهية ذكره. وقال هارون بن عبد الله القاضي قدم جميل بن معمر مصر على عبد العزيز بن مروان ممتدحاً له، فأذن له وسمع مدائحه وأحسن جائزته، وسأله عن حبيبته بثينة فذكر، وحمد كثيراً فوعده في أمرها وأمره بالمقام، وأمر له بمنزل وما يصلحه فأقام قليلاً حتى مات هناك. وذكر الزبير بن بكار عن عباس بن سهل الساعدي قال: بينا أنا بالشام إذ لقيني رجل من أصحابي، فقال هل لك في جميل؟ فإنه ثقيل نعوده، فدخلنا عليه وهو يجود بنفسه، فنظر إلي ثم قال: يا ابن سهل ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط، ولم يزن ولم يقتل النفس ولم يسرق يشهد أن لا إله إلا الله؟ قلت: اظنه قد نجا، وأرجو له الجنة. فمن هذا الرجل؟ قال: انا قنت والله ما أحسبك سلمت وأنت تشبب منذ عشرين سنة ببثينة. فقال: لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإني في أول يوم من أيام الآخرة آمر يوم من أيام الدنيا إن كنت وضعت يدي عليها لريبة. قال: فما برحنا حتى مات. وذكر في الأغاني عن الأصمعي قال: حدثني رجل شهد جميلاً لما حضرته الوفاة بمصر أنه دعا به فقال: هل لك إن أعطيتك كل ما أخلفه على أن تفعل شيئاً أعهده إليك؟ قال فقلت نعم قال إذا نامت فخذ حلتي هذه وأعز لها جانباً وكل ما سواها، لك وادمل إلى رهط بثينة فإذا صرت إليها فارتحل ناقتي هذه واركبها، ثم البس حلتي هذه واشققها، ثم اعل على شرف وصح بهذين البيتين:

صرح البغي وما كنا بجميل ... وثوى بمصر ثوى بغير قفول

قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلاًدون كل خليل

قال فقلت ما أمرني به فما تممت الإنشاد حتى خرجت بثينة كأنها بدر في دجنة، وهي تنثني في مرطها حتى أتتني، فقالت: يا هذا والله إن كنت صادقاً لقد قتلتني، وإن كنت كاذباً فقد فضحتني، فقلت: والله ما أنا لا صادقاً وأخرجت حلته، فلما رأتها صاحت بأعلى صوتها وصكت وجهها، واجتمع نساء الحي يبكين معها ويندبنه حتى صعقت، فمكثت مغشياً عليها ساعة ثم قامت وهي تقول:

وإن سكتموني عن جميل لساعة ... من الدهر ما حانت ولا حان حينها

سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا مت بأساء الحياة ولينها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015