فقال لي: عند خطور هذا الخاطر، ما الفرق بين الرسول والنبي؟ فأردت أن أذكر ما بينهما من الفرق بحسب ما يخطر لي من العبارة، فسبقني وعبر في الفرق بينهما بعبارة حسنة مشتملة على ألفاظ وجيزة جامعة، ومعانٍ حسنة، حاصلها أن الرسول هو الذي يوحي إليه، ويرسل إلى الخلق، ويؤيد بالمعجزات التي تدل على الحق، والنبي غير متصف بهذه الصفات، وكذلك الأولياء منهم من يؤمر بإرشاد المريدين، ويؤيد بالكرامات والبراهين. ومنهم من له فضل في نفسه، وليس له شيء من هذه المذكورات، ففهمت من ذلك أن الفرق بينه وبين ذلك الشخص نسبته نسبة الفرق بين الرسول والنبي على حسب ما بين النبوة والولاية من التفاوت، فهو في أعلى درجات الولاية كما أن الرسول في أعلى درجات النبوة، وذلك الشخص في أسفل درجات الولاية، كما أن النبي في أسفل درجات النبوة، ومفهوم كلامه أنه أفضل من ذلك الشخص، فقلت له في ذلك الحال: هل يتصور أن يصير النبي رسولاً. ومرادي أن ذلك الشخص، هل يصير في مرتبة التربية والتأييد بالكرامة، وإرشاد السالك؟ فأشار إلي أنه قد يتصور ذلك، نسأل الله الكريم من فضله العظيم لنا ولأحبابنا والمحبين.
ومنها أنه قال لي بعض الأولياء الكبار ممن له بكثرة الكرامات في بلاد اليمن اشتهار: سلم لي على الشيخ علي يعني شيخنا المذكور، وذلك عقيب صحبتي للشيخ، وكنت في ذلك الوقت زائراً عشرة من الأولياء، فلم يذكر لي أحد منهم بالسلام ولا غيره غير الشيخ علي، فقال: يأخذ كل واحد منكما عن صاحبه تأخذ عنه نوراً، ويأخذ عنك علماً، فقلت في نفسي متعجباً: كيف يأخذ عني العلم، وهو ممن يفيد العلم وغيره. وأما أخذي عنه النور، فهو أهل لذلك، وأنا مفتقر إليه، فاسأل الله تعالى أن يحقق ذلك، وكان هذا الكلام سراً بيني وبينه لم يطلع عليه أحد غير الله.
فلما قدمت على سيدي الشيخ أخرج لي كتاباً من كتب الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، وقال: ما تقول في هذه المسألة؟ وأشار إلى كلام فيه لأبي حامد، فقلت: سبحان الله مثلك يسأل مثلي: فقال لي: إيش قال الشيخ فلان؟ مشيراً إلى ما ذكرت من قول ذلك الشيخ، ويأخذ عنك علماً، فلما قال لي ذلك تعجبت، وعلمت أن الرجل صاحب تمكين في الاطلاع على القلوب، وما شاء الله من علم الغيوب، وقوة التصرف النافذ فيما شاء الله من الوجود، بمن الملك المنان ذي الكرم والجود.
ومن قوة تصرفه أن بعض أصحابه كان قد منعه من الأسفار مع رغبته فيها، فقال صاحبه المذكور لشيخ من شيوخ اليمن الكبار: أشتهي منك، ومن فلان شيخ آخر من الكبار أيضاً أن تكفياني أمر الشيخ علي في منعه لي من السفر، وتضمنا لي ذلك، فقال له: لا والله