والشيخ معي، فجلس معي قليلاً، فسررت بذلك سروراً كثيراً، وحسبت أنه يطيل الجلوس عندي فأتملأ به، واسأله عن كل ما أريد، فورد عليه حال، فقام بعد أن ظهر فيه مبادي السكر، فحصل في باطني عند ذلك تألم واحتراق لعدم حصول ما أملت، فقلت له: عند ذلك ما كان لي بمجيئك حاجة، فقال: ولم قلت؟ لأني فرحت بمجيئك، ثم تألمت بقيامك، فأتى إلي ووضع إصبعه على قلبي، وقال: هذا موضع الألم، فسكن ذلك الألم، وبردت تلك الحرقة كما تبرد النار إذا صبت عليها الماء، وازددت عند ذلك في اعتقاد فضله علماً، والحمد لله على المعرفة لهم والصحبة، وعلى ما خلق بيننا وبينهم من المحبة.
ومن هذا الإسكار الذي يفارق به الأغيار، ولا يرضى فيه إلا بمجالسة الملك القهار أني مررت بجنبه في بعض الأحيان، وهو جالس على بعض الكثبان، فناداني إليه، فجلست معه قليلاً، وهو منشرح منبسط معي، ثم ورد عليه وارد أخرجه عن ذلك الحال إلى حال آخر ظهر عليه في مبادي السكر، فقبض نفسه فيه، وتنمر ونظر إلي نظرة النشاوي في سكرهم، وقال: من جالس الملوك لم يرض مجالسة غيرهم، فقمت عنه هارباً، ورجعت في طريقي التي كنت فيها ذاهباً، وكان هذا ضحوة النهار، ثم رجعت من وجهي الذي توجهت فيه بعد العصر، فإذا به قد تغير عن ذلك الأسلوب، ورجع إلى الأسلوب الانبساط المحبوب، وقد أتى بمركوب يركبه فأقسم علي أن أركب ذلك المركوب، فركبته، ومشى هو مع جلالته وضعفه، وتباين ما بين طرفي نهاره في هيبته ولطفه متحققاً بقول قائلهم:
إذا كنا به تهنا دلالاً ... على كل الموالي والعبيد
ولكنا إذا عدنا إلينا ... يعطل دلنا ذل اليهود
ومنها أني حكيت له مرة أني قصدت في أيام الحج رجلاً من الصالحين في منى، فطلبته في منزله، فلم أجده، فطلعت بعض جبال منى، وانعزلت بعيداً من الناس تحت بعض الأحجار، فبينا أنا كذلك، لماذا بذلك الرجل الصالح الذي كنت أطلبه معي، فوقف عندي ما شاء الله، فلما حكيت لشيخنا المذكور هذه الحكاية تعجيباً له بذلك في ظني قال لي: عسى كان اجتماعكم في المكان الفلاني، وأشار إلى ذلك المكان بعينه مع عدم تميزه عن غيره تميزاً يهتدي به إليه، فلما سمعت منه ذلك تعجبت، وقلت له: الفرسان يمرون علينا، ولا يسلمون، فقال: يسلمون بالقلوب، ثم جمعت بينه وبين الصالح المذكور، وهو الولي الحبيب خالد بن صالح بن شبيب في المسجد الحرام ليلاً، فحصل للشيخ خالد بذلك سرور، فلما افترقا قال لي الشيخ علي: هذا من غزة، ولم يكن لهما قبل ذلك اجتماع بل بمعرفة القلوب والكشف والاطلاع رضي الله تعالى عنهم، ونفعنا بهم.
ومنها أنه خطر لي في وقت خلوة من أفضل هو أو شخص آخر،