عياض - قدس الله روحهما - ولم ير في الظاهر خارجاً من مكة إلى مكان أبعد من عرفة، وأما في الباطن، فالعلم بذلك راجع إلى علماء الباطن.
قد أخبرني بعض الأولياء، وهو الشيخ محمد البغدادي الذي كان ساكناً في بلاد مراغة، قال: لما رجعت من زيارة النبي عليه السلام متوجهاً إلى مكة. أفكرت في الشيخ نجم الدين المذكور، وعتبت عليه في قلبي في كونه لا يقصد المدينة الشريفة ويزور، قال: ثم رفعت رأسي، فإذا به في الهوى ماراً إلى جهة المدينة، وناداني: يا محمد كذا وكذا، وذكر كلاماً نسيته.
وبلغني أنه قال له بعض أصحابه: يا سيدي الناس ينكرون عليك ترك زيارة النبي عليه السلام، فقال: لا ينكر ذلك إلا أحد رجلين، إما مشرع، وإما محقق. فأما المشرع. فقل له: هل يجوز للعبد أن يسافر بغير إذن سيده؟ وأما المحقق فقل له: من هو معك في كل حين حاضر هل لطلبه تسافر. وقال الشيخ عبد الملك ابن الشيخ الكبير العارف بالله الشهير أبو محمد المرجاني المغربي - قدس روحه - استأذنت الشيخ نجم الدين في زيارة قبر النبي عليه السلام فقال: مالك طريق إلى ذلك في هذا الوقت، قال: فخالفته وسافرت مع جماعة، فلما صرنا بين الروضة والهمة مشينا ليلتنا فغوينا، فأصبحنا حيث أوينا، ثم مشينا فغوينا كذلك ثلاثة أيام، فعرفت أن سبب غوايتنا مخالفتي للشيخ نجم الدين، فقلت للجماعة: سافروا فما السبب المعوق لكم إلا أنا، ثم رجعت إلى مكة، وسافروا فلما كان بعد مدة استأذنت الشيخ نجم الدين في السفر، فقال لي: سافر، فتسهلت لي الطريق، وارتفع التعويق. هذا يعني كلامه وإن اختلفت العبارة، فلما وصل المدينة الشريفة وجد بعض المجاورين قد توفي، وأوصى له بثياب، فلبسها.
قلت: وقد اقتصرت في ترجمة الشيخ نجم الدين الأصبهاني على هذه النبذة من فضائله، وهذه القطرة من بحر لا يوصل إلى ساحله.
وأما ترجمة الذهبي فغاضة من قدره بل طامسة لنور بدره، حيث يقول في ترجمته: بهذه الألفاظ بعينها، ومات بمكة في جمادى الآخرة العارف الكبير نجم الدين عبد الله بن محمد الأصبهاني الشافعي تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي عن ثمان وسبعين سنة. جاور بمكة مدة، وما زار النبي عليه السلام فيها، وانتقد عليه الشيخ علي الزاهد رحمهما الله تعالى.
هذه جميع ترجمته المقصرة في وصفه المنسوب إليه، المنكرة في ترك الزيارة عليه، وقد قدمت التنبيه على أعظم من هذا التمويه في إنكاره على شيخ شيخه أبي الحسن الشاذلي