وكان ابن الحنفية المذكور كثير العلم والورع، وقد ذكره أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء: وكان شديد القوة، وله في ذلك أخبار عجيبة، منها: ما حكاه المبرد في الكامل: ان أباه علياً رضي الله عنه استطال درعاً كانت له فقال له: انقص منها كذا وكذا حلقه، فقبض محمد إحدى يديه على ذيلها والأخرى على فضلها، ثم جذبها فانقطع من الموضع الذي حده أبوه، قال: وكان عبد الله بن الزبير إذا حدث بها غضب واعترته الرعدة، قيل لأنه كان يحسده على قوته، وكان ابن الزبير أيضاً شديد القوة. ومن قوة ابن الحنفية أيضاً ما حكاه المبرد: ان ملك الروم وجه إلى معاوية أن الملوك قبلك كانت تراسل الملوك منا وتجهد بعضهم أن يغلب على بعض أفتأذن في ذلك؟ فأذن له، فوجه إليه برسولين أحدهما طويل جسيم والآخر أيد فقال معاوية لعمرو بن العاص: اما الطويل فقد أصبنا كفوه وهو قيس بن سعد بن عبادة، وأما الآخر فقد احتجا إلى رأيك. فقال عمرو: ها هنا رجلان كلاهما إليك بغيض؛ محمد ابن الحنفية وعبد الله بن الزبير. قال معاوية: من هو أقرب إلينا على حال أو قال على كل حال؟ فلما دخل الرجلان للذان بشهما ملك الروم وجه معاوية إلى قيس بن سعد يعلمه، فدخل قيس، فلما مثل بين يدي معاوية نزع سراويله، فرمى بها إلى العلج فلبسها فبلغت ثندوته فأطرق مغلوباً، قيل إن قيساً لاموه في ذلك وقيل له: لما تبذلت هذا التبذل بحضرة معاوية؟ هلا وجهت إليه غيرها؟ فقال:

أردت لكيما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود

وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عاد ثمة وثمود

وأني من القوم اليمانين سيد ... وما الناس إلا سيد ومسود

وبد جميع الخلق أصلي ومنصبي ... وجسمي به أعلو الرجال سديد

ثم وجه معاوية إلى ابن الحنفية رضي الله عنه فحضر، فخبر بما دعى إليه فقال: قولوا له إن شاء فليجلس وليعطني يده حتى أقيمه أو يقعدني، وإن شاء فليكن القاعد وأنا القائم، فاختار الرومي الجلوس فأقامه محمد وعجز هو من إقعاده، ثم اختار أن يكون محمد هو القاعد فجذبه محمد فأقعده، وعجز الرومي عن اقامته فانصرفا مغلوبين، وكان الراية يوم صفين بيده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015