العلامة برهان الدين، سمع من طائفة منهم ابن الزبيدي، وتفقه على الإمامينابن عبد السلام، وابن الصلاح، واشتغل وأفتى، وكان مع فرط ذكائه، وتوقد ذهنه ملازماً للاشتغال، مقدماً في المناظرة، متبحراً في الفقه وأصوله، وانتهت إليه رياسة المذهب - رحمه الله تعالى - له عبارات حسنة جزلة فصيحة، وخطابة بليغة، له الفوائد الجمة والفنون المهمة، والمصنفات البديعة، محبباً إلى الناس لعفته، ودينه، وفضله، وعقله، وعلمه، ورياسته، وتواضعه، وكرمه، ونصحه للمسلمين، ومن مصنفاته كتاب الإقليد في درر التقليد علقه على أبواب التنبيه من نظر فيه علم محل الرجل من العلم، وكان - رحمه الله تعالى - لطيف الطبع يميل إلى استماع السماع، ويحضره ويرخص فيه، وله اختيارات في المذهب مشى على أكثرها ولده، وله فضائل كثيرة، ومحاسن عديدة، وشعر جيد، وخرج له الحافظ علم الدين البرزالي مشيخة على مائة شيخ في عشرة أجزاء، فسمعها عليه جماعة من الأعيان، منهم الشيخ العلامة ابنه برهان الدين، والشيخ الإمام العلامة تقي الدين ابن تيمية، والحافظ أبو الحجاج المزي، وقاضي القضاة نجم الدين ابن صصري، والشيخ علاء الدين ابن العطار وغيرهم. وتخرج به جماعة كثيرون، وخلائق لا يحصون، وكانت فنونه في العلوم الشرعية، وتأسف الناس على فراقه.
قلت: وبلغني أن ولده الشيخ برهان الدين كان يرخص في السماع أيضاً بشروط كوالده، وإن والده ما حضره إلا بعد أن رأى كرامة من بعض المشائخ الصوفية.
وفيها توفي ابن الزملكاني الإمام المفتي علاء الدين أبو الحسن ابن العلامة البارع كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري الدمشقي الشافعي.
في جمادى الأولى منها قدم السلطان الملك الأشرف في دمشق، وقد فرغ الشجاعي من بناء الطارمية، والرواق، وقاعة الذهب، والقبة الزرقاء بقلعة دمشق، فرغ جميع ذلك في سبعة أشهر، قيل: وجاء في غاية الحسن، ثم سار السلطان ونازل قلعة الروم في جمادى الأخرى، فنصب عليها المجانيق، وجد في حصارها، وفتحت بعد خمسة وعشرين يوماً، وأهلها نصارى من تحت طاعة التتار، فلما رأوا أن التتار لا ينجدونهم ذلوا، وما أحسن ما قال الشهاب محمود في كتاب الفتح: فسطا جيش الإسلام يوم السبت على أهل الأحد، فبارك الله للأمة في سبتها وخميسها.