فاستشرفت نفسي إلا الإطلاع على ذلك الشيء، فإذا هو رباب يسمعها عرب مهنا من واحد منهم، فلما دنوت منهم أنكرت، فقلت له: اسكت فما سكت به صاحب الرباب، وعرفت أنه لا يلتفت إلى قولي لكوني فقيراً حقيراً لا أعرف في ذلك المكان، وهم وفد عزيز كريم على السلطان، فهولت عليه بالصياح في قولي له اسكت مع تكرير هذه الكلمة حتى أوهمته أن لي شوكة فرفع رأسه إلي وسكت، فقلت له: أما علمت أن هذا الفعل حرام، فقال: من حرمه، فقلت: الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إلا على آل عيسى، فعجبت من قوله، وشدة جهله، وعرفت أن ما لعلته طباً شافياً، ولا طبيباً مداوياً، فذهبت وخليتهم، توفي عيسى المذكور في الربيع الأول، وقام بعده ولده الأمير حسام الدين مهنا صاحب تدمر.
وفيها توفي ابن الصائغ قاضي القضاة أبو المفاخر محمد بن عبد القادر الأنصاري الدمشقي الشافعي، كان عارفاً بالمذهب بارعاً في الأصول والمناظرة، درس بالشامية مشاركة مع شمس الدين المقدسي، ثم ولي وكالة بيت المال، ثم ولي قضاء الشام، وعزل به ابن خلكان، وظهر منه نهضة وشهامة وقيام في الحق بكل ممكن مع زعارة وفظاظة وإهمال بجانب أكابر من أهل زمانه، فقاموا عليه ناهضين لخفض شأنه، متعرضين له مقابلين بالبغضاء ساعين فيه حتى عزل عن القضاء بالذي عزل به ابن خلكان، وأنشد لسان حال الزمان: أيها الإنسان كما تدين تدان، وذلك في سنة سبع وسبعين، ثم أعيد إلى منصبه في سنة ثمانين، ثم أنهم قاموا له أيضاً وعرضوه بجمر الغضا. نعوذ بالله من سوء القضا فامتحن في سنة اثنتين وثمانين، وأركبوه متن الأخطار، وأخرجوا عليه محضراً بنحو مائة ألف دينار، ولم يزل يلقى منهم شدة وبلاء إلى أن خلصه الله تعالى، وولوا مكانه القاضي بهاء الدين ابن الزكي، وانقطع هو بمنزله بعد ما تمت فصول على ما حكي في ربيع الآخر، وابن خلكان في سنة إحدى كما تقدم بتقدير في الحكمة البالغة، والحكم المحكم.
وفيها توفي الملك المنصور صاحب حماة ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقي الدين محمود بن المنصور محمد بن عمر ابن شاهنشاه بن أيوب، تملك بعد أبيه سنة اثنتين وأربعين، وعمره عشر سنين رعاية لأمه الصاحبة بنت الكامل، وكان مذموماً في ديانته على ما قيل الله تعالى يسامحه.
وفيها توفي السيد الإمام الكبير الشأن، القدوة المشكور الشيخ أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان التلمساني قدم شاباً فسمع بها من محمد بن عمار