وتكاثروا على شبيب فانهزم فقتلت غزالة امرأة شبيب، ونجا هو بنفسه في فوارس من أصحابه، وكانت بحيث يضرب بشجاعتها المثل وكانت نذرت أن تدخل مسجد الكوفة فتصلي فيه ركعتين تقرأ فيها سورة البقرة وآل عمران، فأتوا الجامع في سبعين رجلاًِ، فصلت فيه وخرجت عن نذرها، وحجز بينهم الليل، وسار شبيب إلى ناحية الأهواز وبها محمد بن موسى بن علي التيمي، فخرج لقتال شبيب، ثم بارزه فقتله شبيب، وسار إلى كرمان فتقوى ورجع إلى الأهواز فبعث الحجاج لحربه سفيان بن الأبرد الكلبي وحبيب بن عبد الرحمن الحكمي، فالتقوا واشتد القتال حتى حجز بينهم الظلام. ثم ذهب شبيب وعبر على جسر دجيل، لما سار على الجسر قطع به فغرق، وقيل: بل نفر به فرسه، وعليه الحديد الثقيل، من درع ومغفر وغيرهما فألقاه في الماء، فقال له بعض أصحابه: اغرقاً يا أمير المؤمنين؟ قال: ذلك تقدير العزيز العليم. فألقاه دجيل ميتاً في ساحله، فحمل على البريد إلى الحجاج، فأمر بشق بطنه، فاستخرج قلبه فإذا هو كالحجر إذا ضرب به الأرض بناء عليها، فشق فإذا في داخله قلب صغير، كالكرة الصغيرة، فشق أيضاً فوجد في داخله علقة دم، ولما غرق أحضر إلى عبد الملك بن عتبان، فقال له: الست القائل يا عدو الله:
فإن يك منكم كان مروان وابنه ... وعمرو ومنكم هاشم وحبيب
فقال لم أقل هكذا يا أمير المؤمنين، وإنما قلت:
فمنا حصين والبطين وقنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
فاستحسن قوله وأمر بتخلية سبيله، وكان إليه المنتهى في الشجاعة والبأس وأكثر ما يكون في مائتي نفس من الخوارج فيهزمون الألوف. وفيها غزا عبد الملك بنفسه، فدخل في الروم وافتتح مدينة هرقلة قلت وسيأتي أيضاً أنها فتحت في خلافة بني العباس، ويحتمل أن الكفار ملكوها بعد هذا ثم فتحت ثانية في الدولة العباسية. وفي السنة المذكورة توفي أبو تميم الجيشاني، قرأ القرآن على معاذ، وكان من عباد مصر وعلمائهم.