البارع أحمد المعروف بابن الزنبول. اشتغل عليه مدة طويلة في الفقه، ثم حصل بينهما بعض شيء نفر منه، قلت: ابن الزنبول فانقطع عنه، وكان في خلقه بقور فجاءه الفقيه إسماعيل مع جلالته، وفضله المشهور واسترضاه، فقال له ابن الزنبول: أتحسب أني لا أجد مثلك؟ فبكى إسماعيل، ولبس حلة المحاسن والإنصاف والتواضع والاعتراف والتنزل إلى منزلة الإنصاف، وقال له: بلى يا أحمد تجد مثلي، ولا أجد مثلك، ومنهم الإمام العلامة القاضي جمال الدين أحمد بن علي العامري شارح التنبيه وقاضي المهجم ومنهم الفقيه علي بن أحمد بن سليمان العبسي الجحفي وغيرهم.
قلت: وبلغني أن رجلاً سأله عن مسألة في أفتيا جاء بها إليه بعد أن جاء بها السائل إلى الفقيه الإمام الحفيل الولي الشهير الجليل أحمد بن موسى بن عجيل رضي الله تعالى عنه وعن الجميع، فأجابه الفقيه إسماعيل بجواب مخالف لجواب الفقيه أحمد، فبقي الرجل متحيراً بأي الجوابين يأخذ، فقال إسماعيل، خذ بجوابنا، فدباغنا في الفقه أقوى من دباغهم. قلت: لقد أحسن في هذا المقال باستعارته الدباغ للاشتغال، وبلغني أيضاً أن الفقيهين المذكورين المشهورين كان أحدهما أفقه من الآخر، والآخر أكثر نقلاً منه، وقد جمع عنهما كلام في الفقه في جزء لطيف، وكلاهما كان يحضر مجلس شيخ الشيوخ الأكابر بحر الحقائق المواج الزاخر. صاحب السيف الماضي الصيقل شيخ زمانه أبي الغيث بن جميل قدس الله روحه، ولكن الفقيه إسماعيل أكثر حضوراً وملازمة للشيخ المذكور، وإليه كان ينسب في التصوف حتى بلغني عنه أنه قيل له كلام معناه ما نقول عنك إذا سألنا أفقيه أنت أم صوفي فقال: بل صوفي وشيخي في التصوف الشيخ أبو الغيث بن جميل. وله رضي الله تعالى عنه من الكرامات العظام ما يطول في ذكرها الكلام، وقد ذكرت بعضها في غير هذا الكتاب.
منها وقوف الشمس له حتى بلغ مقصده لما أشار إليها يالوقوف في آخر النهار، وهذه الكرامة مما شاع في بلاد اليمن، وكثر فيها الانتشار.
ومنها أنه شوهدت الكعبة في الليل تطوف بسريره في حال يقظة المشاهد. ومنها أنه نادته سدرة والتمست منه أن يكل هو وأصحابه من ثمرها، ومنها شفاعته في قوم سمعهم يعذبون في المقابر، ومنها أن الملك المظفر صاحب اليمن كان يقول لحجابه: لا تخلوه يدخل علي حتى تستأذنوني خوفاً من أن يراه ملابساً بما ينكر عليه، فما يشعر إلا وقد دخل