وكان خطيبًا بدمشق، فغضب الملك المذكور، وعزله وسجنه، ثم أطلقه، فتوجه إلى الديار المصرية هو والإمام ذوالفهم الثاقب المعروف بابن الحاجب، بعد أن كان معه في الحبس، فتلقاه الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر، وأكرمه وأجله واحترمه، وفوض إليه قضاء مصر، وخطابة الجامع، فقام بذلك أتم قيام، وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى اتفق أن بعض الأمراء بنىمكانًا على سطح مسجد، فأنكر ذلك، وقيل: هدمه، ثم علم أن ذلك شق على الوزير، فحكم بفسق الوزير وعزل نفسه عن القضاء، فلما بلغ ذلك حاشية الملك شق عليهم، وأشاروا على الملك أن يعزله من الخطابة لئلا يتعرض لسب الملك على المنبر، فعزله، فلزم بيته يشغل الناس ويدرس.
وذكروا أنه لما مرض مرض الموت بعث إليه الملك الظاهر يقول من أولادك يصلح لوظائفك؟ فأرسل إليه، ليس فيهم من يصلح لشيء منها، فأعجب ذلك السلطان منه، ولما مات حضر جنازته بنفسه، والعالم من الخاص والعام.
ومن مصنفاته الجليلة كتاب التفسير الكبير، وكتاب القواعد الكبرى ومختصر النهاية، وكتاب العقيدة، وكتاب شجرة الأخلاق الرضية والأفعال المرضية، ومختصر الرعاية، وكتاب الإمام في أدلة الأحكام وغير ذلك، وكانت له مشاركة يقوم به أحسن قيام، وكانت له يد طولى في تعبير الرؤيا وغير ذلك. دخل بغداد في سنة تسع وتسعين وخمس مائة، واتفق يوم دخوله موت الإمام أبي الفرج ابن الجوزي، فأقام بها أشهراً، ثم عاد إلى دمشق، وولاه الملك الصالح ابن الملك العادل خطابة الجامع الأموي بعد ولايته التدريس بزاوية الغزالي، وهو من الذين قيل فيهم علمهم كثر من تصانيفهم لا من الذين عبارتهم دون درايتهم، ومرتبته في العلوم الظاهرة مع السابقين في الرعيل الأول، وأما في علوم المعارف، والعلم بالله وحضور هيبته، واستيلاء جلالته وعظمته على قلوب أهل ولايته، ومعرفته وغير ذلك مما هو معروف عند أهله.
وقد قسم الناس في المعرفة أقسامًاوعد نفسه رضي الله تعالى عنه من القسم الثالث بعد أن ذكر أن القسم الأول هم الذين تحضرهم المعارف من غير استحضار وتفكر واعتبار ولا تغيب عنهم في سائر الأحوال، والقسم الثاني هم الذين تحضرهم بغير استحضار أيضاً لكن تغيب عنهم في بعض الأحيان. والقسم الثالث هم الذين تحضرهم باستحضار من غيردوام واستمرار، ثم قال: كأمثالنا. هذا معنى كلامه في الأقسام المذكور وإن اختلفت العبارات في بعض الألفاظ. وقد ذكرت في غير هفا الكتاب قضية وقعت له مما يؤيد عظيم فضله وعلومحله وهو ما أخبرني به بعض أهل العلم أن الإمام عز الدين المذكور احتلم في ليلة بارعة فأتى إلى