الفوت، ويغتسل بعد ذلك من ماء عين الندامة بقصد العزلة في كهف جبل الانقطاع أيسًا من الأنس بما دون الله تعالى، ويشرب من ماء شحوم حنظل الصبر، ويستنشق بدهن أشجار الحزن، ويطعم من صحيح غذاء التوكل، ثم يكتحل بقشر عود الغرام، ولا ينام بعد ذلك حتى ينظر أنوار أثمار أشجار التوفيق، ثم يجلس على بساط قدم الصدق والتصديق منتظرا لما يرد من عجائب إبريز التحقيق، وصحيح حلول الفقر والعجز والافتقار الذي أنعم به تعالى به النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ونعم الرقيق، فحينئذ يبرأ العليل، ويرجع إلى ما كان عليه خلقه أول مرة، فيكون حياته لله، وموته لله لا لنفسه بذلك جرى قلم الحكيم القديم المتفضل بالتأبيد في محل الحضرة على المنهج العبدي، والقانون الفقري الذي وجب أن لا يكون الفقر أزلاً وأبداً لنفسه، وجرى الآن لسان الفقر لوجوب ترك التدبير لصحة الإرادة، وتلقي ما يرد لصحة الرضاء، والتزام ما لا يلزم حبا لله وشوقا إليه كما قد وجب على من يعيده فإذا التزم ما لا يلزم صفات الحق للحق وأوصله إلى علم أنه يصل به، فيكون الحق أوصله لا هو وصل، وبعد وجود ما يجب أيضًا على المريد اتيانه علمًا ورسمًا يظهر علوم أزلية يتعلق بصفة القديم المتفضل القدوس لا يعرف العالم بها إن الله تعالى يعصى أو يتعدى أحد مراده، والله بكل شيء عليم.
قلت وآخر كلامه هذا يشبه قوله أيضأ: كل خيال نقاب لوجه الأمر العزيزي، والأمر العزيزي نقاب لجلال الله، وجمال سبحات وجه الله الكريم فرضًا لأن لايبرز من ذلك الجلال ذرة، فلا يبقى أحد من الثقلين، ولا من سواهما يعرف لله تعالى طاعة ول اعصيانًا قلت: وقد أشرت إلى ما يظهر من معناه، والله أعلم في ترجمة الشيخ عبد القادر في سنة اثنتين وستين وخمس مائة.
وقال أيضاً: أن الحس والمحسوس حجاب عن الله تعالى فإذا ظهر سلطان حب الله تعالى بنور حياة القلب بالله أحرق حراريق الهوى بنار سلطانه الذي لا يقدر أحد أن ينفيه.
وقال أيضًا: إذا طلعت شمس من أفق قبلة الغيب إلى الأفق الأعلى أخذ كل من في الأفق الأدنى نصيبه من شعاعها، وليس كل مدرك بالحسن هو هي، فأما إذا طلعت من كل مكان، وانتفت روية التعاقب عنا يقينًا لم يبق ليل ولا نهار، ولم يبق كفر، ولم يبق اسلام، ووجب حينئذ ظهور الشيء الذي حالت بيننا وبين الأحوال، وكثرت المقالات، والأفعال كما يحول السحاب يقيناً، فإذا لم يبق حائل ظهر الشيء الذي لا يشبه شيئًا وغبناعنا، وصرنا كالنجوم عند طلوع الشمس لا غياب بشرط الفناء ولا حضور شرط البقاء، فإن كنت هاهنا رأيت ما رأينا وإن لم تر شيئا فكن حجراً صماً يدق بك النوى.
وقال أيضاً: إذا اختلط ماء الأمطار بماء البحر، كان منه الدر واللؤلؤ والياقوت الأحمر