حطبي، وعزة المعبود ما أحمله إلا على ظهرك، فجمع الحطب، وحمله عليه وهو هين لين مطيع، وساقه إلى أن وصل به إلى طرف البلد، ثم حط عنه الحطب، وقال له: اذهب ومن ذلك أيضا أن زوجة شيخه المذكور طلبت شري عطر من السوق، فذهب ليشتري لها، فكلم بعض العطارين في ذلك، فقال العطار: ما عندي شيء فقال له أبو الغيث: ما عندك شيء؟ فانعدم في الحال جميع ما في دكان العطار، فجاء إلى الشيخ يشكو إليه ما جرى على حوائجه من أبي الغيث، فاستدعى به الشيخ وخاصمه بسبب اظهار ما ظهر له من الكرامة، وقال له: سيفان لا يصلحان في غمد واحد، اذهب عني، فدار له أبو الغيث وتضرع والتزم به فأبى أن يصحبه، فذهب يلتمس من يصحب من الشيوخ لينتفع به، فكل من التمس منه يقول: اكتفيت ما تحتاج إلى شيخ حتى جاء إلى الشيخ الكبير العارف بالله الخبير السيد المبجل المعروف بعلي الأهدل، فالتمس منه الصحبة، فأنعم له بذلك.
قال أبو الغيث فلما صحبته كأني قطرة وقعت في بحر، وقال أيضاً: كنت عند ابن أفلح لؤلؤة بهما، فثقبها الأهدل، وعلقها في عنقي قلت: كأنه يشير إلى أن محاسن أحواله المشكورة كانت عند ابن أفلح مستورة، فلما صحب الأهدل أظهر محاسنه التي يجليها عليه لكل من يجتليها.
ومن كراماته أيضا أن الفقراء قالوا له: نشتهي اللحم، فقال: في اليوم الفلاني إن شاء
الله تعالى تكلون اللحم، وكان يوم سوق يجتمع فيه القوافل، فلما جاء ذلك اليوم جاء الخبر أن قطاع الطريق الحرامية نهبوا القافلة، فلما كان بعد ساعة جاء واحد من القطاع يثور إلى الشيخ، فقال الشيخ للفقراء: اذبحوه واطبخوه وخلوا رأسه على حاله، ثم جاء آخر أيضاً منهم يحمل حب، فقال لهم الشيخ: اطحنوه واخبزوه، ففعلوا جميع ذلك، ثم فتوا العيش وأدموه، فقال الشيخ للفقراء: كلوا، فدعا الفقراء الفقهاء إلى الأكل معهم، فامتنعوا، فقال الشيخ للفقراء: كلوا الفقهاء ما يكلون الحرام، فأكلوا حتى فرغوا، وإذا بإنسان قد جاء إلى الشيخ وقال: يا سيدي نذرت للفقراء بثور، فأخذه الحرامية، فقال له الشيخ: تعرف رأس ثورك إذا رأيته. قال: نعم أعرفه، فأمر الشيخ بإحضار ذلك الرأس، فأحضروه فلما رآه ذلك الإنسان قال: هذا رأس ثوري بعينه، ثم جاء إنسان آخر، وقال: يا سيدي نذرت للفقراء حمل حب، فنهب مني، فقال له الشيخ: قد وصل إلى الفقراء متاعهم، فلما رأى الفقهاء ذلك ندموا على ترك موافقة الفقراء، وبقوا يضربون يدا على يد وله أيضا رضي الله تعالى عنه ما يطول ذكره بل لا يستطاع حصره من الكرامات الظاهرات والآيات الباهرات.
وله كلام عظيم في الحقيقة والتربية في سلوك الطريقة جمع بعضه في كتاب مستقل، من ذلك قوله: يجب على من نزلت به أخلاط أول ما يبدأ استخراج القيء بريشه خوف