بالعجائب، وهي مع الإيجاز مشتملة على كثير من النحو قيل، ولم يسبق إلى مثلها واعتنى بها جماعة من الفضلاء شرحوها، ومنهم من وضع لها أمثلة، ومع هذا فلا يفهم حقيقتها، وأكثر النحاة يعترفون بقصور إفهامهم عن إدراك مراده منها، فإنها كلها رموز وإشارات، وقد قال بعض أئمة العربية: أنا ما أعرف هذه المقدمة، وما يلزم من كونه ما أعرفها إن لا أعرف النحو، ويقال: إنه كان يدري شيئًا من المنطق، وعلى جملة، وفي مقدمته المذكورة كلام غامض، وعقود لطيفة، وأشار إلى أصول صناعة النحو وغريبه.
وذكر بعضهم أنه كان إذا سئل عنها، هذه من صنعتك؟. قال: لا لأنه كان متورعًا
وكان قد جرى بين الطلبة بحث حصلت منه فوائد، فعلقها الجزولي فيها، وفوائد أخرى من كلام شيخه، فسلم يسعه لذلك أن يقول هي من صنعتي، وإن كانت منسوبة إليه، لأنه الذي انفرد بترتيبها. وكان قد دخل إلى الديار المصرية، وأقام بهامدة حجج، ثم رجع إلى بلاد المغرب، وأقام بمدينة بجاية مدة والناس يشتغلون عليه وانتفع به خلق كثير والجزولي بضم الجيم والزاي وسكون الواو نسبة إلى جزولة، وهي بطن من البربر.
وفي السنة المذكورة توفيت عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الثقفية الأصفهانية.
وفيها توفي أبو الفتح ناصر بن أبي المكارم المطرزي الفقيه النحوي الأديب الحنفي الخوارزمي، كانت له معرفة تامة بالنحو واللغة والشعر وأنواع الأدب، قرأ على جماعة، وسمع الحديث من طائفة، وكان رأسا في الاعتزال، داعيًا إليه منتحلاً مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في الفروع، فصيحًا فاضلاً في الفقه، له عدة تصانيف نافعة منها شرح المقامات للحريري، وهو على وجازته مفيد محصل للمقصود، وله كتاب المغرب تكلم فيه على الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب، وهي للحنفية بمنزلة كتاب الأزهري للشافعية. وما قصر فيه، فإنه أتى جامعا للمقاصد، وله غير ذلك، وانتفع الناس به وبكتبه ودخل بغداد حاجًا، وجرى له هناك مباحث مع جماعة من الفقهاء وأخذ أهل الأدب عنه، وكان شهير الذكر بعيد الصيت، وله شعر من ذلك قوله:
وإني لاستحيي من المجد أن أرى ... حليف عوان أو أليف غواني
وقوله:
تعامى زماني عن حقوقي وإنه ... قبيح على الزرقاء تبدي تعاميا
فإن تنكروا فضلي فإن دعاءه ... كفى لذوي الأسماع منكم مناديا