بظاهر البلد من يومه، وجمع العساكر وسار إلى البحر المعروف بزقاق سبتة، فعبر فيه إلى الأندلس، وسار إلى أن دخل بلاد الفرنج - وقد اعتدوا وأحشدوا وتأهبوا - فكسرت كسرة شنيعة بعد أن أمر فرسان الموحدين وأمراء العرب أن يحملوا، ففعلوا وانهزم الفرنج، وأعمل فيهم السيف، فاستأصلهم قتلاً، وما نجا منهم إلا ملكهم في نفر يسير. وغنم المسلمون أموالهم، حتى قيل إنه حصل لبيت المال من دروعهم ستون ألف درع. أما الدواب على اختلاف أنواعها فلم ينحصر لها عدد، ولم يسمع في بلاد الأندلس بكسرة مثلها. ومن عادة الموحدين أنهم لا يأسرون مشركاً محارباً إن ظفروا به ولو كان ملكاً عظيماً، بل يضربون رقاب الجميع - قلوا أو كثروا. ثم أتبعهم بجيش، فألفوهم قد أخلوا قلعة رباح لما داخلهم من الرعب، فملكها يعقوب وجعل فيها والياً وجيشاً. ولكثرة الغنائم لم يمكنه الدخول إلى بلاد الفرنج، فعاد إلى اشبيلية. وله مع الفرنج حروب عديدة أذلهم فيها، ونال منهم قتلاً ونهباً وتخريباً لديارهم، إلى أن التمسوا منه الصلح فصالحهم. وانتقل الى مدينة سلاوينا، وهي بالقرب منها مدينة عظيمة سماها رباط الفتح على هيئة الإسكندرية في اتساع الشوارع وحسن التقسيم وإتقان البناء وتحسينه وتحصينه، وبناها على البحر المحيط، ثم رجع إلى مراكش. وبعد هذا اختلفت الرواية في أمره، فمن قائلين إنه تجرد وساح في الأرض، وانتهى إلى بلاد الشرق وهو مستخف لا يعرف - ومات خاملاً، ومن قائلين إنه لما رجع إلى مراكش توفي - رحمه الله تعالى. قلت وسأذكر فيما بعد ما يؤيد قول من قال إنه تجرد عن الملك وساح في البلاد. وكان ملكاً جواداً عادلاً متمسكاً بالشرع المطهر، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر - كما ينبغي - من غير محاباة، ويصلي بالناس الصلوات الخمس، ويلبس الصوف ويقف للمرأة والضعيف، فيأخذ لهم حقهم من كل ظالم عنيف، وأوصى أن يدفن في قارعة الطريق ليترحم عليه من أوصلته طريقه إليه من كل من مر به - أقبل لحاجة أو أدبر. وكان قد أمر علماء زمانه أن لا يقلدوا أحداً من الأئمة المجتهدين المتقدمين، بل تكون أحكامهم بما يؤدي إليه اجتهادهم من استنباطهم القضايا من الكتاب والحديث والإجماع والقياس. قال ابن خلكان: ولقد أدركنا جماعة من مشايخ المغرب وصلوا إلينا - وهم على تلك الطريق - مثل أبي الخطاب بن دحية، وأخيه أبي عمر ومحيي الدين بن العربي نزيل دمشق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015