سنة ثمانين وخمس مائة

فيها نازل صلاح الدين الكرك، ونصب عليها المجانيق، فجاءتها نجدات الفرنج، فرأى أن حصارها يطول، فسار وهجم نابلو، فنهب وسبى. وفيها أخذ كحلان - بضم الكاف وسكون الحاء المهملة - وأخرج منه أهله، وعقد في ولايته للشريف مهدي بن أسعد بن عبد الصمد الجوالي. وفيها توفي السلطان أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن القيسي صاحب المغرب، كان

أبوه قد جعل الأمر بعده لولده محمد، وكان طياشاً شريباً للخمر، فخلعه الموحدون واتفقوا على أبي يعقوب، وكان حلو الكلام ومليح المفاكهة، بصيراً باللغة وأيام الناس، قوي المشاركة في الحديث والقرآن وغير ذلك. وقيل إنه كان يحفظ أحد الصحيحين، وكان سخياً جواداً، هماماً فقيهاً حافظاً، لأن أباه هذبه، وقرن به أكمل رجال الحرب والمعارف، فنشأ في ظهور الخيل بين أبطال الفرسان، وفي قراءة العلم بين أفاضل العلماء، أولى التحقيق والإتقان، وكان ميله إلى الحكمة والفلسفة أكثر من ميله إلى الأدب وبقية العلوم، وكان جماعاً مناعاً ضابطاً بخراج مملكته، عارفاً بسياسة رعيته، وكان ربما يحضر حتى لا يكاد يغيب، ويغيب حتى لا يكاد يحضر، وله في غيبته نواب وخلفاء وحكام، وقد فوض الأمر إليهم لما علم من صلاحهم لذلك. والدنانير اليوسفية منسوبة إليه. فلما تمهدت له الأمور واستقرت قواعد ملكه دخل إلى جزيرة الأندلس، فكشف مصالح دولته، وتفقد أحوالها، وفي صحبته مائة ألف فارس من المغرب، أو قال: من العرب والموحدين، ثم أخذ في استرجاع بلاد المسلمين من أيدي الفرنج، - وكانوا قد استولوا عليها - فاتسعت مملكة الأندلس. وفي سنة خمس وسبعين قصد بلاد إفريقية، وفتح مدينة قفص، ثم دخل جزيرة الأندلس في سنة ثمانين وخمسمائة ومعه جمع كثيف، وقصد غربي بلادها، فحاصر العدو هنالك شهراً، واصابه مرض فمات منه في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة، وكان قد استخلف ولده يعقوب، وقيل: إنه لم يستخلف، بل اتفق رأي قواد الموحدين وأولاد عبد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015