إذا وردت صيغة الأمر مجردة عن القرائن الدالة على المراد بها اقتضت الوجوب وهو قول الجمهور وعليه دلت الأدلة كقوله تعالى لإِبليس: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} وقوله: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} وقوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وقوله: {أفعصيت أمري} وقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} إلى غير ذلك إذ لا خلاص للمأمور من الوعيد ولا نجاة له من العذاب ولا من عار العصيان إلا بالامتثال ويدل لذلك أيضاً أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستدلون بالأمر على الوجوب ولم يقع بينهم خلاف في ذلك فكان إجماعاً وكذلك إطباق أهل اللغة على ذم العبد الذي لمِ يمتثل أمر سيده ووصفه بالعصيان، ولا يذم ويوصف بالعصيان إلا من كان تاركا لواجب عليه.
الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به
إذا كان الواجب المطلق يتوقف وجوده على شيء فإن الأمر يشمله أيضاً ضرورة توقف حصول الواجب عليه كالطهارة فإن الأمر بالصلاة يشملها وهذا معنى قولهم " الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به " وليس معنى ذلك أن وجوبه جاء ضمناً بدون دليل مستقل، بل له أدلة أخرى، غير أن الأمر الخاص بذلك الواجب يقتضي وجوب ما توقف الواجب عليه.
هذا في الواجب المطلق فإن وجوب الصلاة مثلا غير مشروط بقيد فيكون الأمر بها مقتضياً الأمر بما لا يتم إلا به وهو الطهارة.
أما في الواجب المقيد فليس كذلك كالزكاة فإن وجوبها مقيد بملك النصاب فليس الأمر بها أمراً بتحصيل النصاب ليتم وجوب إخراجها بإمتلاكه، لأن ذلك إتمام للوجوب لا للواجب، ولذا يقولون: مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب،
ومالا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب، والصلاة قد استقر وجوبها، أما الزكاة فلا تجب حتى يحصل النصاب.
استعمال صيغة الأمر في غير معناها الأصلي