ولن أقول، من جهة أخرى، ماذا تمثل في عيون الذين صنعوا هؤلاء (الأهالي)، لأن الإنسان (الأهلي) (indigène) ليس إنسانا ولكن إنتاج استعماري أي من صنع الاستعمار. وهم يعرفون الأمر: فهم المنشطون الفعليون للمأساة المعنوية والفكرية والمادية التي سأحاول ولو بصورة جزئية، أن أرفع عنها الستار الذي يحجبها منذ عشرين عاما.

وأنا أدرك الانفعال الذي سينتابـ (الأهالي) في الجزائر وأسيادهم المعمرين بعد كشف زاوية صغيرة من المأساة التي تبين بصورة مؤثرة العيوب الدقيقة للقابلية للاستعمار والأهداف المرسومة للاستعمار.

وربما كان باستطاعتي أن اعتمد في هذا العرض أسلوبا تحليليا فأقدم الأشياء في شكل مجموعات: القابلية الاستعمار والأهالي، الاستعمار والمتحضرين الاستعماريين. غير أني فضلت التسلسل التاريخي، إذ يبدو لي أن التواريخ ضرورية للوقوف عند بعض مراحل التطور وعند معنى المأساة التي تغطي ثلاث حقب من وجودي: حياتي كطالب من 1931 إلى 1936، حياتي كمنبوذ هائم على وجهه وتمتد من 1936 إلى 1945 وحياتي ككاتب وتبتدئ من 1946 إلى يومنا.

وقد يؤدي بي الحال باعتماد هذه الطريقة إلى صوغ حديثي في شكل كتلة من التفاصيل، غير أني سأنأى عن هذا المشكل بأن أدع القارئ (غير الأهلي) (non indigène) ليستخلص بنفسه بعض التفاصيل وبعض المعاني حتى لا يلاحظ إلا ما يحقق وحدة المأساة ومغزاها.

زد على ذلك أني لم أتطرق، مبدئيا، إلى بعض مراحل وجودي إلا بشكل عابر، إذ من السابق لأوانه أن أتناول، في الظروف الراهنة، الموضوع الذي تعنيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015