أي صاحب حانة مرسيلي، يجيد الحرفة في كيفية مناولة زبونه كأس (البسطيس) (?) وكيفية الحذيث معه حتى يقضي وطره.

فعندما اصطحبني (حشيشي مختار) إلى هذه الحانة، شعرت بالحرج المزعج عندما دخلتها، إذ كنت في حالة من يتصور دور القس المسيحي على صورة مثالية، يراه يقضي مهمته التبشيرية في معبد، دون أن يتصور شيئاً عن مهمته الكبرى في النواحي المتدهورة من المجتمع.

عانيت ذلك اليوم هذه العقدة التي تذكرني الآن بالحالة النفسية التي طالما شاهدت أثرها في سلوك المثقفين المسلمين، الذين يتعالون عن المهمات المتواضعة لأنها لا تغذي فيهم النزعة إلى الظهور، كما سأشاهد ذلك يوماً في سلوك أحد الطلبة التبسيين الذي أبى أن يتولى في مدرسة تبسة قسم الصبيان، لأنه تخرج من جامع الزيتونة فتوليته أنا.

وليست هذه العقدة خاصة بطبقتنا المثقفة، سواء المطربشة أو المعمَّمة، بل نجد أثرها في سلوك أحد الوجوه اللامعة للأدب الفرنسي في القرن السابع عشر (بوسييه) الذي كان مكلفاً بمصلى الملك، لأنه كان خطيباً مصقعاً، فأبى في صلاة يوم أحد أن يلقي كعادته، خطبته الوعظية لأن الملك والأميرات لم يكونوا في القاعة.

أما عقدتي فلم تكن مستولية عليَّ إلى هذا الحد، فالظروف التي أعيشها كانت تحد من تأثيرها في سلوكي، إذ لو طلب مني في تلك الفترة، أن أدخل لتعليم الحروف في حفرة إصطبل تجمع فيها أبوال الحمير، لدخلت بلا تردد فراراً من واقع مرير.

ومما أعانني على التغلب عليها، أنني تعرفت منذ وصولي إلى حانة (المرايا)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015