بينما كنت أعيشها كمأساة تخص كل أفراد أسرتي، خاصة والدي الذي ما زال بسببي يطلب دون جدوى الرجوع إلى وظيفة كلما شغر منصب، وكان مع ذلك حتى بعد وفاة والدتي يرسل إلي المبلغ الشهري الذي أعيش به بفرنسا .. وتخصني المأساة من باب أولى، وقد بدأت أتصور بعض خطوطها المتوقعة بعد دراستي، وكيف سأحاط بالإجحاف الذي أحاط بوالدي منذ سنين .. فكنت فعلاً في وضع السجين الذي ينتظر مفتاح السجن، فأخرجت خديجة الجوازين من درج خزانة أثاث الأكل وقدمتهما:

- هاك، والله إنك مثل الطفل، لا ينام إلا ولعبته المفضلة في أحضانه ..

فتسلمت الجوازين وتفحصتهما وذهبت إلى غرفة النوم، بينما بقيت زوجي في شغلها في الإصلاحات الأخيرة لبيت (أمي مورناس)، وتهيئة كل تفاصيل السفر، قد جهزت حتى الهرة (لويزة) بحقيبة تستطيع فيها التنفس، وجهزتنا بحقيبة منسوجة من خيوط الكافور للحفاظ على ملابسنا على عادة من يسافر من أوربا إلى البلاد الحارة المناخ.

إن أوربا لم تستول فحسب على مستعمرات بل سنت قوانين لها، وكونت طبّاً صالحاً لمعالجة أمراضها وعلماً خاصاً بها في معاهد (العلوم الاستعمارية)، حيث يدرس من سيتوظف في الإدارة الاستعمارية، وخلقت بصورة عامة أسلوب حياة يطبعها الاستعمار في كل تفاصيلها، مثل قبعة المستعمر و (البنجالوف) (?) الذي يسكنه في إفريقيا أو آسيا، واخترعت حتى الحقيبة المنسوجة من مادة خاصة تستعملها زوج المستعمر لحفظ ملابس الأسرة من حشرات البلاد الحارة.

وقد هيأت خديجة من ملابسها ما تحتاجه لفرش البيت، كأننا سنسكن (بنجالوف) عند وصولنا إلى الطائف، وعندما انتهت من هذا التجهيز ومن مهمتها نجاراً وبناء وبياضاً في بيت (أمي مورناس) قررت يوم السفر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015