السلطات المعنية بباريس، وتُسَلَّم هكذا أطفال المستعمرة الصيفية إلى أيدي مربين، بينهم من هو طبيب ألقت به ظروف خاصة على هامش التعليم، وآخرون وحوش ضارية جعلتهم على هامش المجتمع انحرافات موروثة.
إذن كانت المستعمرة جحيماً، خُصّص فيه قسم لمن لا يمسك البول في النوم، وربما كانت رائحته تزيد الوحوش المكلفة به ضراوة.
ولكن رائحة ذلك القسم وضراوة وحوشه وشراسة مدير المؤسسة نفسه، لم يكن كل ذلك يغطي الجانب الآخر، في تلك الحديقة المتسعة الأرجاء، وقد ألبست الطبيعة كل جزء في هذا المكان المشهور من النرماندي جمالاً يغطي مساوئ الإنسان.
كان هذا الجانب جنة الأطفال وقد توليت أمرها مع (بن كرتوسة) حتى اعتاد الطفل من أي قسم كان، أن يولي وجهه نحوي إذا خشي وحشاً من الوحوش أو إذا احتاج الأمر.
- مسيو الصدّيق أريد كذا وكذا ...
كانت هكذا حياة الأطفال في تلك المستعمرة الصيفية، من ناحية جحيم ومن ناحية أخرى جنة. أتذكر بعد ثلث قرن الساعات السعيدة، كأنها كانت لشدة الأقدار، الاستراحة التي قضيت فيها تلك الساعات، قبل مواصلة السير على طريق عبدته الصعوبات والمحن.
لم تكن أخبار تبسة تصلني تلك الفترة، وإذا بخطاب يصلني منها، يدعوني فيه إلى الحضور خالي (أحمد شاوش) (الطبيب الأهلي) الذي يقال عنه إنه تلقى موهبة التطبيب من سيدي الحاج (العربي الطيطاوني) كما يأخذ المريد الورد عن شيخه.
خطرت بذهني تفسيرات كثيرة للخطاب، دون أن أعرف الصحيح منها،