بينما الآخر سيجعل منها ما فعل بها بالضبط: قلعة علمانية، وإذا لم يبق أي تردد في الأمر لدى الجهات الباريسية تجاه احتمال الاستقلال فيجب أن تُسلِّم المفاتيح إلى الحزب العلماني إذا آن الأوان.

ولعل الانشقاق الذي حدث في تلك الحقبة، إنما هو نتيجة مسبقة تمهيداً لاحتمال قد تصيّره الأيام واقعاً تاريخياً.

أما في مراكش فلم تُغَيّر عودة الطلبة وجهةَ السير في شيء، إلا أنها غيرت في سرعة خطواته، وفي اتساع مجاله إلى حركة شاملة تشمل كل الوطن وتهزهه هزاً عنيفاً، مستغلة (الظهير البربري (?)) بوصفه طاقة متفجرة، سيفجرها فعلاً الحزب الوطني في ضمير الشعب، وستأخذ صوراً رهيبة من السخط على الاستعمار، يضفي عليها الدين طابعاً خاصاً عندما تجتمع الحشود من المصلين في مساجد فاس وغيرها من المدن، وفي حلقات ذكر وابتهال وتضرّع إلى (الله اللطيف) تأخذ بمشاعر الذاكرين إلى درجة الشطحة الصوفية.

وفي الجزائر كانت أيضاً هزات عنيفة، في صور غير متوقعة أحياناً، مثل قضية (سجائر جوب) ..

كانت هذه السجائر هي المشهورة في البلاد، ولم تكن الدار الكبرى التي تصنعها في حاجة إلى وسائل الترويج لبضاعتها، فلم تكن تطلب المدخِّن بل كان المدخن يطلبها حتى أصبحت شروطها قاسية على الباعة ...

وإذا بالمدخنين الجزائريين كلهم يعلنون ذات يوم، أنهم يرفضون (سجائر جوب) وقاموا يبصقون عليها في المدن والشوارع كلها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015