القضية اليهودية، إذ كان لي فعلاً فيها رأي يزيد من خطورتي في نظر تلك السلطات، بالإضافة إلى أنها وجدتني ملتزماً نحو (الوهابية) والوطنية والإصلاح ونحو التكنولوجيا، أي نحو كل شيء تكرهه من طرف جزائري، بينما القضية اليهودية أصبحت في سياستها المحك الذي تقدر به الاعتدال في سلوك الفرد، خصوصاً إن كان من أبناء المستعمرات.

لهذا كله، فوجئت بنبأ سفر والديّ بوصفه فرصة ثمينة ضاعت علي، ولم يبق لدي إلا الرجوع لله في الأمر وانتظار اليوم السعيد الذي أراهما فيه بعد عودتهما من الحج، وعودتي من فرنسا لأستمع منهما إلى أخبار الحجاز، فقد أصبح يأتيني نداء الأفق البعيد الذي كان في السنوات السابقة يأتيني من (تمبوكتو)، أو من أستراليا.

وكانت السنة الدراسية تأخذ منعطفها نحو الامتحانات، بعد إجازة الربيع التي قضيتها مع زوجي وهرتنا (لويزة) عند أمي (مورناس).

وبدأت ليالي المراجعة تستمر حتى الساعة الثانية، وتعودت خديجة أن تهيئ لي، قبل أن تضطجع القهوة في (ترموس)، مع خبز وجبن طعام سحور.

وكان في تلك الفترة جبننا المفضل من نوع (المونستير)، فأصبحت خديجة تشتريه لي أكثر من غيره.

وذات ليلة من ليالي المراجعة، استمر عملي طويلاً بعد السحور، فما رفعت رأسي من الشغل حتى أحسست كأنني مصروع، صرعتني رائحة الجبن لأنني تنفست طويلاً في جوه دون أن أشعر، كمن يتنفس في جو من أكسيد الكربون، فكانت آخر مرة أكلت فيها من (المونستير) إلى اليوم.

ولعله كان يليق بمن يصنع هذا النوع الخطير من الجبن، أن يضع على غلافه هذا التنبيه (يُؤكل ولا يُشم).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015