فالعائلات التي تجري احتفالات زواجها ومواكب دفن موتاها وفق الطريقة القديمة، تبدو صواباً أو خطأ وكأنها من أنصار الشيخ (سليمان). أما العائلات التي تتبع العادات الجديدة في تلك المناسبات فهذه تعد من مؤيدي الشيخ (العربي).
لقد بدأ الناس يأخذون بشكل غامض منحى العودة إلى تلك الطريقة الصحيحة التي يمثلها الشيخ، والتي سيطلق عليها فيما بعد اسم (الإصلاح) أو (السلفية).
أما الشيخ سليمان فقد كان مرناً يوفق بين تلك الطريقة الصحيحة والعادات السائدة لكنه مع ذلك يمارس عليها تأثيراً مصححاً.
وذات صباح تركت تبسة غارقة في اضطرابها الفكري وتلقيت مرة أخرى على رجلي (ماء العودة).
...
في قسنطينة عدت للاتصال بالحقيقة الجزائرية عن طريق وجهها الآخر أعني المواجهة الأقسى للنظام الاستعماري.
فالجالية الأوربية المتزايدة يوماً بعد يوم، وزينة الناس وملابسهم ومظهر الشوارع الرئيسية وثكنة القصبة وأولى عربات (التروللي باس)، هذه كلها مظاهر تطبع في النفس الوجود الاستعماري.
ومن ناحية أخرى فقد تركت فيّ النفس التبسية ألماً أورثه إياها امتياز بمنح سبعة آلاف هكتار في (دوار المريج)، أي نصف مساحة الدوار لرجل أوربي، بالإضافة إلى حق في الري يستنزف ثلاثة أرباع احتياطي المياه. فقد كان هذا الأوربي صهر صاحب متجر ( رضي الله عنهazar de globe) الذي يمتاز بشهرة كبرى في قسنطينة.