أذكر هنا، وكلي عرفان بالجميل، إنني أثناء الفترة التي قضيتها في المنفى، اتصلت من جميع السكان - فقراء كانوا أم أغنياء - بتذكار خالد: فبعضهم أرسل لي الملابس والأغذية والعسل والزبد والفواكه، والبعض الآخر بعث لي، وفقا لثروته، عددا من منتوجات مصانعهم كالأحذية والجزامى والتلاليس وغيرها ... وقد قام الجميع بإنجاز ما كانوا يعتبرونه واجبا نحو ملكهم، وأن عددا منهم كان يرسل لي ما أحتاج إليه (68).
لم نبق في قسنطينة إلا ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع أخذنا طريقنا إلى سكيكدة حيث استقبلت بحفاوة بالغة.
وانتظرنا فيها يومين قدوم المركب البخاري الذي أقلني إلى مدينة الجزائر. وقد أولانا قائد هذه الباخرة - أنا وجميع أفراد أسرتي الذين اصطحبوني - كل عناية ورعاية. وبعد إبحار دام يومين وصلنا إلى ميناء الجزائر، وكان ذلك يوم الثلاثاء 17 رجب سنة 1264. وفي هذه المدينة، أيضا (68) - إن السلطات العسكرية المحلية لم تفهم هذا الشعور، وراحت تلقي القبض على من أظهروا عطفهم على بايهم القديم، وقد أشار مدير الشؤون العربية إلى المغالاة في التشدد، وذلك في رسالة كتبها إلى وزير الداخلية يوم 7 جوان 1848.