قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} 1.
فقد ابتلى الله إبراهيم جملة ابتلاءات كان أشقها وأصعبها أمره له أن يذبح ولده الحبيب إسماعيل، واستجابته هو وولده للابتلاء العظيم:
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ، رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} 2.
فلما أتم إبراهيم الابتلاء وجازه بنجاح كبير كافأه الله على ذلك بجعله إماما للناس. وهنا تحركت في إبراهيم عليه السلام رغبته البشرية في أن يكون هذا الفضل مستمرا في عقبه، وأن يكون العهد باقيا في ذريته لا ينقطع، فهل جامله الله سبحانه وتعالى وهو يصطفيه ويقربه ويجعله خليلا له، بأن أجابه إلى طلبه على إطلاقه؟! كلا! بل جاء الرد حاسما قاطعا، وكان المعنى به هم بنو إسرائيل بالذات: {قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} .
فلما اختار الله بني إسرائيل فقد اختارهم للابتلاء: {وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ} 3 فكانت نتيجة الابتلاء هي هذا التاريخ الأسود الذي اقترفوه في الأرض، والظلم الذي أنذرهم الله أن يرفع عنهم العهد بسببه ولا يبقيه في أيديهم.. ونزع العهد منهم بالفعل تحقيقا لوعد الله لإبراهيم، وتحقيقا لسنة الله الجارية التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحدا من البشر. نزع العهد عن "شعب الله المختار" فلم يعد مختارا بعد، ومنح الله فضله ونعمته لأمة أخرى هي التي قال لها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} 4 وقال عنها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 5.