حماقة الكنيسة، التي كانت تمنعهم -أو لا تتيح لهم- أن يبحثوا عن السبب الظاهر، وتبرز لهم السبب الغيبي وحده مع إبقائهم في ظلمات الجهل، فلما اكتشفوا السبب الظاهر، وانبهروا "بالعلم" الذي كشف لهم -عن طريق معرفة السبب الظاهر- آفاقا لم يكونوا يعرفونها من قبل. كان الأمر الواقع بالنسبة إليهم أن السبب الغيبي لم يعلمهم شيئا عن ظواهر الكون المادي من حولهم، وأن السبب الظاهر هو الذي علمهم؛ ومن ثم كان وضع السبب الظاهر بديلا من السبب الغيبي هو الأنسب لهم والأكسب! فقالوا قولتهم من واقعهم الضيق الذي عاشوه، وخيل إليهم في بهرة "العلم" أن ما يقولونه هو الصواب!

وحين جعلت أوروبا الطبيعة بديلا من الله لم يكن ذلك -كما بينا في فصول الكتاب الأولى- إلا مهربا من إله الكنيسة الذي تستعبد الناس باسمه وتفرض عليهم الإتاوات والعشور، والخضوع المذل لرجال الدين، مع محاربة العلم، والحجر على حرية الفكر، ومع الوقوف الظالم مع رجال الإقطاع ضد المطالبين بالإصلاح.. ولم يكن قط حقيقة علمية، وإن بلغ الحمق "بالعلماء" أن يصدقوا الخرافة، ويقدموها على الحقيقة، ويصنعوا ذلك باسم "العلم"1.

ولكن هذا كله على أي حال كان إلحاد "العلماء" و"الفلاسفة" و"المفكرين" أما الجماهير فكانت ما تزال تؤمن "بالدين" ولا نتعرض هنا لما كان في ذلك الدين الذي آمنت به الجماهير من تحريف وتشويه وخرافة.. وإنما نتحدث عنه باعتبار أنه "دين" يحوي على أقل تقدير إيمانا بوجود الله وإيمانا بالوحي، وإيمانا باليوم الآخر، وفي مقابل "اللادين" ... في مقابل الإلحاد بمعنى إنكار وجود الله، وإنكار الوحي، وإنكار اليوم الآخر ...

كيف انتقلت الجماهير من الدين إلى اللادين؟

الكنيسة هي المسئول الأول ما تزال..

والفتنة بالعلم من الأسباب.

والعودة إلى "الحضارة الإغريقية" أو بالأحرى "الجاهلية" الإغريقية الوثنية هي كذلك من الأسباب. فقد كانت تلك الجاهلية بالذات تصور العلاقة بين الإنسان والآلهة علاقة صراع وخصام متبادل. الآلهة تريد أن تقهر الإنسان وتستذله، وتتشفى في كل مصيبة يقع فيها, والإنسان يريد أن يلقي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015