{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 1.
{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} 2.
والقرآن كله في الحقيقة توقيعات على أوتار القلب البشري لاقتلاع كل دواعي الشرك واستنبات بذرة الإيمان.
فأما الغفلة التي ترين على القلب بحكم الإلف والعادة، فالقرآن يستعرض آيات الله في الكون بطريقة موحية تعرضها كأنما يشهدها الحس لأول مرة. فيتلقى شحنتها كاملة، ويتيقظ لدلالتها يقظة كاملة. فإذا استثير الوجدان بالآيات المعروضة على هذا النسق الفريد، قال له الحقيقة المطلوبة: "ذلكم الله ربكم فأنى تؤفكون" فيتلقى الوجدان الحقيقة حية متحركة تزيل عنه الغفلة وتذهب عنه "الران".. فيتطلع القلب إلى الله، شاعرا بعظمته، مقرا بألوهيته وربوبيته، مستيقنا بوحدانيته، فيعبده وحده بلا شريك.
وأما الهبوط الذي تهبط به البشرية عن الإيمان بما لا تدركه الحواس، فإن القرآن يعيد الروح البشرية إلى طلاقتها وإشراقها، تارة بعرض سعة الكون الهائلة وإحاطة قدرة الله بها، وتارة بعرض الدقة المعجزة في الكون وارتباطها بقدرة الله, وتارة بعرض إحاطة علم الله بكل ما في الكون من أشياء وأشخاص وأحداث، وتارة بعرض مشاهد القيامة حية مجسمة كأنها الحاضر الذي يعيشه الإنسان في هذه اللحظة، والحياة الدنيا كأنها ماض كان منذ زمان سحيق، وتارة باستجاشة الوجدان بآيات رحمة الله بالإنسان ورعايته له في سرائه وضرائه، وتارة بعرض هيمنة الله المطلقة على كل شيء في هذا الكون، سماواته وأرضه وأفلاكه، وناسه وأحداثه، سواء في الحياة الدنيا أو الآخرة، يوم يبعث الموتى ويعرضون للحساب {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} 3، {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} 4.