{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} 1.
إنما يقام العدل الرباني ليستمتع به الناس ويعيشوا في ظله ولو كانوا لا يعتنقون عقيدة الإسلام.
وقد فتح المسلمون مصر وكان سكانها على دين النصرانية، فلم يكرههم المسلمون على اعتناق الإسلام، ولو كان هناك إكراه ما بقي الأقباط على دينهم حتى هذه اللحظة!
إنما أقام المسلمون العدل الرباني كما أمرهم الله فردوا للأقباط كرامتهم الإنسانية المفقودة التي سلبهم إياها حكامهم الرومان وهم على نفس الدين، ولكن على مذهب مخالف. فقد كان الرومان يلهبون ظهور الأقباط بالسياط لمخالفتهم إياهم في المذهب فلا يتحرك الأقباط لرد العدوان. ولا يجدون ملجأ ليجئون إليه يمنحهم الحرية الاعتقادية ويمنحهم العدل والكرامة، فلما جاء المسلمون منحوهم كل ذلك. وقصة القبطي الذي ذهب إلى المدينة ليشكو إلى عمر بن الخطاب ضربة العصا التي وقعت على ظهر ابنه من ابن عمرو بن العاص شهيرة لا تحتاج إلى إعادة، ولكن دلالتها واضحة. فهذا القبطي الذي كان يتلقى سياط الرومان ولا يشكو ولا يثأر لكرامته المسلوبة. يسافر هذه الرحلة الطويلة طلبا للعدل؛ لأن الإسلام رد له كرامته فصار يستنكر الظلم ويطلب العدل؛ ولأن الإسلام أوجد له ملجأ حقيقيا يطلب العدل فيه فطلبه هناك.
ومن أجل هذا يقاتل المسلمون. لا لفرض عقيدتهم، ولا للتوسع الاستعماري، ولا لسلب أقوات الناس والاستئثار بها لأنفسهم، ولا لأي فائدة أرضية من التي تسعى الدول إليها، ولكن قياما بأمر الله، ونشرا لهذا العدل الرباني في الأرض.
وفتح المسلمون الأندلس، وظلوا هنالك ثمانية قرون.. فلم يفرضوا عقيدة الإسلام على نصارى الأندلس بل دخل منهم من دخل الإسلام حبا فيه وإيمانا بصدقه، وبقي النصارى نصارى حتى ردوا للمسلمين الجميل بطردهم من الأندلس مع التعذيب والتنكيل والتشريد على أبشع صورة وعاها التاريخ، ونشر المسلمون النور في الأندلس وغيرها من البلاد عن طريق مدارسها وجامعاتها وأساتذتها وكتبها وعلومها وحضارتها، التي مرت شهادات الشاهدين بها من