مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} 1.

ولقد أكرمه الله جزاء نجاحه الباهر في هذه الابتلاءات فاجتباه واتخذه خليلا.

{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} 2.

وجعله للناس إماما.. وتلك نعمة كبرى يمن الله بها على عباده المقربين.. فلما نال تلك الحظوة عند الله تحركت رغبته البشرية الطبيعية في أن يكون هذا العهد ماضيا في ذريته، فيكونوا أئمة للهدى، يهدون الناس إلى الإيمان، فهل حابته السنة الإلهية وهو في موضع التكريم والتقريب والترحيب؟ كلا! لقد كان الجواب حاسما: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} أي: إن العهد ماض فيهم إذا هم استقاموا على الطريق، فإذا ظلموا فلا عهد لهم عند الله. ذلك أن الله لا يمكّن الناس في الأرض؛ لأن آباءهم أو أجدادهم كانوا مؤمنين! بل حين يكونون هم بأنفسهم مستقيمين على الطريق.. أما الذين يرثون العهد وراثة، أو يرثون كتاب الله وراثة -أي: يتخذونه تراثا! - فيصبح في حسهم أنه كتاب الآباء والأجداد وليس كتابهم هم، ولا هم مكلفون بتطبيقه، فأولئك يقول الله فيهم وفي أمثالهم:

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} 3.

والذي يعنينا من هذه السنن هنا -كما أسلفنا- هو دور العقل في تدبرها، لا تدبرا نظريا فلسفيا يبدأ في العقل وينتهي في العقل كما كان شأن عقلانية الإغريق، إنما يتدبرها ليعمل -بوعي- على إقامة المجتمع الصالح الذي يستحق التمكين في الأرض بمقتضى الوعد الرباني:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015