إلى فتنة طاغية.. لأن أوروبا أخذته دون أن تأخذ القاعدة الإيمانية التي كان يقوم عليها عند المسلمين، وهي قاعدته الأصيلة، فكأنه نبات انتزع من بيئته انتزاعا وغرس في بيئة أخرى لا تناسب الأولى، ولا تشبهها في مكوناتها ومقوماتها، فطال وارتفع، ولكنه أثمر ثمارا شيطانية غير الثمار الطيبة التي كان يؤتيها من قبل.

كان المنهج التجريبي عند المسلمين نابعا من التوجيه الإسلامي الإيماني ... نابعا من مثل هذه التوجيهات:

{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} 1.

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ..} 2.

{وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} 3.

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} 4.

"تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء، إلا داء واحدا: الهرم" 5 وغيرها.. وغيرها. مما جاء في الكتاب والسنة.. كثير.

وكانت هذه التوجيهات -التي حولت المسلمين من أمة لا اهتمام لها بالعلم في جاهليتها إلى أمة عالمة في كل فروع العلم المتاحة لها بحسب وقتها، وحولت العلم من الاتجاه النظري الإغريقي إلى الاتجاه العلمي التجريبي -موجهة إلى غايتين في آن واحد: التفكر في آيات الله في الكون للتعرف على قدرته المعجزة من أجل إخلاص العبادة له وحده، والتفكر في تلك الآيات للتعرف على السنن الكونية الربانية لتحقيق معنى الخلافة وعمارة الأرض.

ومن ثم لم تفترق الغايتان في حس المسلمين كما افترقتا -وتعارضتا- في حس أوروبا!

لم يشعر المسلمون أن تفكرهم في آيات الله في الكون من أجل إخلاص العبادة له، مانع لهم من البحث عن السنن الكونية الربانية من أجل عمارة الأرض،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015