{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} 1.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} 2.
كذلك لم يتصوروا في بلاهة أن الله عاجز عن التصرف في شئون الكون بمشيئته الطليقة لمجرد أنه ثبت سنته الجارية كما تصور نيوتن: "ليس ثمة داع أو فائدة من الصلاة إلى الإله صانع هذه الساعة الضخمة الكونية، الذي لا يستطيع إذا ما أراد التدخل في عمله"!! ومن ثم لم ينكروا المعجزات كما أنكرتها عقلانية النهضة وما بعدها. إنما عرفوا أن الله سبحانه وتعالى ثبت سنته -بمشيئته الطليقة- رحمة بالإنسان، وإعانة له على القيام بدور الخلافة, ولكنه سبحانه وتعالى طليق المشيئة يصنع في هذا الكون ما يشاء، لا يقيد مشيئته شيء على الإطلاق.. ولا ثبوت سنته الجارية3، فإن شاء سبحانه وتعالى أن يغير شيئا من نظام الكون- لحكمة يريدها- ليظهر للناس معجزة من معجزاته، أو يغير نظام الكون كله يوم القيامة كما أخبر عباده في كتبه المنزلة، فلن يقف ثبوت السنة الجارية أمام مشيئته جل وعلا، إذ السنة الجارية من مشيئته، والسنة الخارقة من مشيئته، وهو سبحانه يستخدم هذه السنة أو تلك وقتما يشاء وكيفما يشاء، لا قيد على مشيئته يمنعه من التصرف كيف يشاء.
و"المعجزة" كما نطلق عليها هي شيء خارق للسنة الجارية.. نعم. ولكن "الإعجاز" في السنة الجارية هو هو الإعجاز في الخارقة، مصدرهما واحد، وجوهرهما واحد ... هو القدرة الإلهية التي لا يعجزها شيء في السموات ولا في الأرض ... وإلا فهل خلق الحياة من الموات -الذي هو في حسنا من السنة الجارية- أقل روعة أو أقل إعجازا من شق البحر بالعصا، أو وقف دورة الشمس لفترة من الوقت أو غير ذلك من المعجزات؟ وهل الذي يخلق الكون كله من العدم يعجز عن تصرف جزئي في هذا الكون تقتضيه حكمته سبحانه؟!
وكما لم تكن معرفة المسلمين المبكرة بالأسباب الظاهرة وثبوت السنة الجارية مانعا لهم من الإيمان بالمعجزات التي جاءت في الكتب المنزلة، كذلك لم يكن إيمانهم بالمعجزات داعيا إلى الخرافة، ولا الاعتقاد بأن الكون فوضى لا يضبطه