فإذا آمن الإنسان -وهو مدعو للتفكر والتدبر وإعمال العقل ليؤمن- بأن الله هو الخالق وهو على كل شيء قدير، وآمن بصدق الرسول المرسل -صلى الله عليه وسلم، وآمن بأن ما يخبر به الرسول عن ربه وحي لا شبهة فيه، فقد أخبره الوحي بأمور لا سبيل للعقل أن يصل إليها من تلقاء نفسه؛ لأنها ليست مما يقع في محيط رؤيته ولا تجربته، وطلب منه التسليم بها؛ لأنها آتية من المصدر الحق الذي آمن بصدقه وصدق كل ما يجيء من عنده. وهي في الوقت نفسه مما لا يملك العقل دليلا حقيقيا ينفيها.. فوجب عليه أن يسلم بها وقد آمن بمقدماتها التي توصله إلى التسليم بها.
هذا شأن المسلمات في الدين الصحيح: أمور لا يملك العقل أن يستدل عليها من تلقاء نفسه، ولا يملك في الوقت ذاته دليلا حقيقيا ينفيها، ثم إنه لا يدعي إلى التسليم بها قبل أن يسلم بالمقدمات التي توصل إليها عن طريق التفكر والتدبر والتأمل في ملكوت السموات والأرض.
أما المسلمات التي فرضتها الكنيسة فرضا وأرهبت الناس من مناقشتها فهي غير ذلك تماما.
فحيث يتجه العقل والتدبر والتأمل إلى الإيمان بأن الله واحد أحد، وأنه لو كان في السموات والأرض آلهة إلا الله لفسدتا ... تقول له الكنيسة إن الله ثلاثة، ثم تزيد الأمر تعقيدا فتقول له إن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة، ثم تمنعه من المناقشة عن طريق الإرهاب ...
وحيث يتجه العقل -بوسائل تفكيره- إلى الإيمان بأن الله الذي خلق كل شيء وقدره تقديرا هو في غنى عن كل شريك؛ لأنه "بيده ملكوت كل شيء" ولأنه يقول للشيء "كن فيكون" ومن ثم فهو الجدير بالعبادة وحده.. تقول له الكنيسة إن هناك شريكا لله هوالمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، هو إله مع الله، ومعبود كذلك مع الله، ثم تمنعه من المناقشة وتتهمه بالمروق إن خالف.. وحيث يتجه العقل -بمنطقه الذاتي- إلى الإيمان بأن الله ليس في حاجة إلى اتخاذ الولد -والخلق كلهم خلقه خلقهم بمشيئته وهم عباد له- وليس من شأنه سبحانه أن يتخذ ما لا حاجة له إلى اتخاذه، وهو المهيمن الذي يدبر أمر الوجود كله بمفرده، بلا كلفة عليه سبحانه ولا جهد ولا حاجة إلى معين.. تقول له الكنيسة إن لله ولدا، خلقه بمشيئته كما يخلق كل شيء بمشيئته ثم تبناه -سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا- ليضعه بعد ذلك على الصليب،