قضية الألوهية تخبطا من نوع جديد، حين قالت إن الله ثلاثة أقانيم، وإن المسيح ابن مريم عليه السلام واحد من هذه الأقانيم الثلاثة، وإنه ابن الله وفي الوقت ذاته إله، وشريك لله في تدبير شئون الكون.
وفضلا عن ذلك -أو ربما بسبب ذلك- حُجِرَ على العقل البشري أن يعمل وأن يفكر.
فإن هذه الألغاز التي ابتدعتها المجامع المقدسة في شأن الألوهية لم تكن "معقولة" ولا مستساغة فيما يمكن للعقل البشري أن يتصور ثلاثة أشياء هي ثلاثة وهي واحد في ذات الوقت، وما يمكن أن يتصور أن الله سبحانه وتعالى ظل متفردا بالألوهية وتدبير شأن هذا الكون ما لا يحصى من الزمان، ثم إذا هو -فجأة- يوجد كائنا آخر ليكون شريكا له في الألوهية ومعينا له في تدبير الكون!! تعالى الله عنه ذلك علوا كبيرًا.
ومن أجل كون هذا العبث "المقدس! " الذي ابتدعته المجامع "المقدسة! " غير معقول ولا مستساغ فقد سخرت الكنيسة "العقل" في محاولة إخراج هذا المزيج المتنافر المتناقض في صورة "فلسفية" مستساغة "أو هم قالوا عنها أنها مستساغة" وفي الوقت ذاته حجرت على العقل أن يناقشها، لئلا تجر المناقشة إلى القول بأنها غير معقولة على الرغم من كل الصناعة "العقلية" التي وضعت فيها!
ومن ثم نشأت في الفكر الأوروبي تلك "المسلمات" أو العقائد المفروضة فرضا التي لا يجوز مناقشتها عز وجلogmas لا لأنها -في حقيقتها- من الأمور التي ينبغي للعقل أن يسلم بها دون مناقشة، ولكن لأنها مناقضة للعقل، ومفروضة عليه فرضا من قبل رجال الدين، الذين زعموا لأنفسهم حق صياغة العقائد وفرضها على الناس بالقوة دون أن يكون لهم حق المناقشة أو الاعتراض وإلا كانوا مهرطقين مارقين، يجوز فيهم كل شيء حتى إهدار الدم وإزهاق الأرواح, كما مر بنا في شأن محاكم التفتيش التي قال عنها "ويلز" في كتابه "معالم تاريخ الإنسانية "ص902, 903 من الترجمة العربية":
"فأصبح قساوستها وأساقفتها على التدريج رجالا مكيفين وفق مذاهب واعتقاديات حتمية عز وجلogma وإجراءات مكررة وثابتة.. ونظرا لأن كثيرا منهم كانوا على الأرجح يسرون الريبة في سلامة بنيان مبادئهم الضخم المحكم وصحته المطلقة لم يسمحوا بأية مناقشة فيه، كانوا لا يحتملون أسئلة