وفي القرون الثلاثة الأولى من ميلاد المسيح كان الأباطرة وثنيين لا يؤمنون بدين منزل، فكانوا يضطهدون النصارى من صح اعتقاده منهم ومن انحرف وحرف، يسومونهم سوء العذاب، ويشردونهم في الأرض، حتى اتخذ فريق منهم الأديرة والملاجئ في أطراف الأرض فرارا من العذاب.
وفي القرن الرابع تغير الأمر حين اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية وفرضها على الإمبراطورية. ولكن الدين الذي فرضه قسطنطين هو -باعتراف المؤرخين والمفكرين الغربيين أنفسهم- شيء آخر غير الدين الذي بشر به المسيح.
يقول درابر الأمريكي في كتابه "الدين والعلم".
"ودخلت الوثنية والشرك في النصرانية بتأثير المنافقين الذين تقلدوا وظائف خطيرة، ومناصب عالية في الدولة الرومية بتظاهرهم بالنصرانية. ولم يكونوا يحفلون بأمر الدين، ولم يخلصوا له يوما من الأيام. وكذلك كان قسطنطين.
فقد قضى عمره في الظلم والفجور، ولم يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية إلا قليلا في آخر عمره "سنة 337م".
"إن الجماعة النصرانية، وإن كانت قد بلغت من القوة بحيث ولت قسطنطين الملك، ولكنها لم تتمكن من أن تقطع دابر الوثنية وتقتلع جرثومتها.
وكان نتيجة كفاحها أن اختلطت مبادئها، ونشأ من ذلك دين جديد، تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء. هنالك يختلف الإسلام عن النصرانية إذ قضى على منافسه "الوثنية" قضاء باتا، ونشر عقائده خالصة بغير غبش.
"وإن هذا الإمبراطور الذي كان عبدا للدنيا، والذي لم تكن عقائده الدينية تساوي شيئا، رأى لمصلحته الشخصية، ولمصلحة الحزبين المتنافسين -النصراني والوثني- أن يوحدهما ويؤلف بينهما، حتى إن النصارى الراسخين أيضا لم ينكروا عليه هذه الخطة. ولعلهم كانوا يعتقدون أن الديانة الجديدة ستزدهر إذا طعمت ولقحت بالعقائد الوثنية القديمة! وسيخلص الدين النصراني عاقبة الأمر من أدناس الوثنية وأرجاسها1.
ويقول فشر المؤرخ الإنجليزي: