كان الفن في أوروبا في فترة الجاهلية الكنسية فنا دينيا بمعنى أنه موجه لخدمة الدين، وكان يحمل كل ما في العقيدة الكنسية من انحراف، إذ كان كله موجها لتمجيد "الرب" الذي ألهته الكنيسة وهو المسيح عيسى ابن مريم، أو تمجيد الأقانيم الثلاثة عامة: الأب والابن والروح القدس، مع مريم البتول ومجموعة من القديسين.. سواء بالشعر أو النثر أو الرسم أو التصوير "بمعنى إقامة التماثيل".
وقد لاحظت في كتاب "جاهلية القرن العشرين" ملاحظة خاصة بالفن الأوروبي، وقلت إنها معروضة للدراسة لمن أراد أن يدرس، تلك هي أن الفن الأوروبي في جميع أدواره التاريخية كان مشغولا بالمعبود.. فحين كان المعبود في الجاهلية الإغريقية مجموعة من الآلهة المختلفة توجه الفن الإغريقي إلى تلك الآلهة سواء في الأساطير أو المسرحيات أو التماثيل، وحين انتقلت أوروبا إلى المسيحية عني الفن بالإله كما صورته الكنيسة، وحين كفرت أوروبا بإله الكنيسة وألهت الطبيعة اتجه الفن إلى المعبود الجديد وخاصة في الفترة الرومانسية، وحين صار المعبود هو "الإنسان" اتجه الفن كله إلى دراسة الإنسان في جميع أوضاعه.