لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} .

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} 2.

ومن هنا يكون العلم ذاته جزءا من العبادة المطلوبة من الإنسان، يستوي في ذلك العلم بأمور الدنيا والعلم بأمور الدين، فإن عمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني تحتاج إلى هذا العلم وذاك.. العلم الدنيوي من أجل العمارة المادية والعلم الديني لجعل هذه العمارة المادية مستقيمة على المنهج الرباني، وتلك هي الخلافة الراشدة المطلوبة من الإنسان.

من أجل ذلك لا يوجد في الدين الصحيح ولا في الفطرة السوية تعارض ولا تنازع ولا خصومة بين الدين والعلم! إنما تعمل نزعة العبادة ونزعة المعرفة في تناسق كامل في النفس السوية دون قلق ولا حرج ولا تصادم ولا نزاع..

وكذلك قامت الحركة العلمية الهائلة التي قامت في العالم الإسلامي في ظل العقيدة، بل بدافع من العقيدة! فمن المعلوم من التاريخ أن المسلمين لم يصبحوا أمة علم إلا بعد أن دخلوا في الإسلام!

ولقد كان النموذج الإسلامي قائما حول أوروبا من الشرق والغرب والجنوب.. بل إن أوروبا لم تعرف العلم الحقيقي إلا حين أرسلت أبناءها يتعلمون في مدارس المسلمين في الأندلس والشمال الإفريقي وصقلية الإسلامية، فلئن كانت الكنيسة قد ارتكبت حماقتها بمعاداة العلم والعلماء، فلقد كان الحل هو نبذ دين الكنيسة الفاسد لا نبذ الدين كله، وقد رأوا نموذجا مفلحا ومثمرا منه في العالم الإسلامي.. ولئن كانت "المكايدة" قد أصبحت هي العملة المتبادلة بين الكنيسة من جهة والعلماء من جهة، فلقد كان المقتضى السليم لذلك هو أن يرد العلماء للكنيسة إلهها الزائف الذي تعذب العلماء باسمه وتطاردهم، ويفروا إلى الله الحق الذي وجدوه معبودا عند أولئك العلماء الأفذاذ الذين تتلمذوا عليهم وتعلموا العلم على أيديهم، والذي وجدوا العبادة الصحيحة له تُخرج مثل هؤلاء الأفذاذ، وتتيح لهم حرية البحث العلمي بلا قيود.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015