لم تكن السياسة من أول عهدها في الإمبراطورية الرومانية محكومة بالشريعة المنزلة من عند الله، وإن وقعت لفترة من الوقت تحت سلطان البابوات ورجال الدين، يفرضون على الملوك أن ينزلوا على إرادتهم على اعتبار أن إرادتهم من إرادة الله.
فقد بينا من قبل أن الفصل بين الدين والسياسة كان قائما من أول اعتناق الدولة الرومانية للمسيحية، إذ اعتنقتها عقيدة فقط، ولم تأخذ من الشريعة إلا ما يتعلق بالأحوال الشخصية، وبقيت الأمور الجنائية والأمور المدنية وعلاقة الحاكم بالمحكوم وغيرها من شئون الحياة الواقعة يحكمها القانون الروماني ولا تحكمها الشريعة المنزلة في التوراة والمعدلة تعديلا جزئيا بالإنجيل:
{وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} 2.
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 3.
ولكن الكنيسة مع رضاها بهذا الأمر -المخالف لأمر الله- في أيام ضعفها لم تحاول في أيام سلطانها وسطوتها أن تعود إلى الوضع الديني