رصيد لها من الواقع. والسنة الربانية -الحتمية التي لا تتبدل ولا تتحول- لا تتعامل مع اللافتات المرفوعة إنما تتعامل مع الواقع الحقيقي.

وفي جميع الحالات لا يغفل التفسير الإسلامي للتاريخ ضغوط "الواقع" المادي والاقتصادي التي يعني بها التفسير المادي للتاريخ، وتأثيرها في نفوس الناس ومشاعرهم. ولكن يختلف الأمر كثيرا ما بين وجود العقيدة وعدم وجودها.

الضغوط المادية والاقتصادية دائما موجودة ودائما ذات ثقل ... ولكن العقيدة ترفع الإنسان بمقدار تمكنها من نفسه وفاعليتها في حياته، فأما إن كانت على درجة عالية من التمكن والعمق والفاعلية فإنها ترفع الإنسان فوق الضغوط المادية والاقتصادية. فينجو من ثقلها كله، ويصوغ حياته بمقتضى القيم التي يؤمن بها ولا يحيد عنها.. وهؤلاء هم أفذاذ التاريخ.. وأما إن كانت موجودة ولكنها على درجة من التمكن والفاعلية أقل، فإنها على الأقل ترفع الإنسان فتضعه إزاء الضغوط، فيصارعها وتصارعه، ويغلبها مرة وتغلبه مرة، ويكون ضغطها عليه محسوسا ولكنه ليس قاهرا. وهذه هي الحالة العادية للمؤمنين سواء في صورة مجتمع أو في صورة أفراد.

أما في غياب العقيدة فالإنسان في معظم حالاته واقع تحت الضغوط المادية والاقتصادية لا يملك أن يرفع رأسه إزاءها ولا أن يرتفع عليها، فتكون هي القاهرة وهو المقهور تحتها ... وتلك هي الحالة التي ركز على شرحها التفسير المادي للتاريخ، وأجاد في شرح كثير من تفصيلاتها "بصرف النظر عن مغالطاته المكشوفة في تفسير الدين والأسرة وأخلاقيات الجنس، وفي تصوير المخطط اليهودي لإفساد أوروبا في الثورة الصناعية على أنه تقدم وتطور، وأنه حتمي! ".

ولكن هذا التفسير أخفق في أمرين:

أخفق أولا في إعطاء التفسير الصحيح لتلك الحالة التي ركز عليها، إذ قدمها على أنها هي الوضع الدائم والطبيعي للبشرية ولم يعطها تفسيرها الحقيقي، وهي أنها وضع منتكس للإنسان بسبب جاهليته، لا بسبب أن الماة بطبيعتها رب قاهر والإنسان بطبيعته عبد للمادة!

أما إخفاقه الأكبر فهو -كما أسلفنا- إخفاقه في تفسير الإسلام، وهو الوضع الصحيح للإنسان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015