وصحيح أن هناك سمات مشتركة تصنعها "البيئة" في المجتمع الرعوي أو الزراعي أو الصناعي قد يتشابه فيها المؤمنون وغير المؤمنين، ولكن هذا الشبه العارض لا يجوز أن ينسينا أن الذي يحدد المركز الحقيقي للإنسان في الدنيا أو الآخرة هو "الموقف" الذي يتخذه، وليست المظاهر الثانوية التي قد تتوافق أو تتعارض بغير تأثير حاسم في حياة الناس.

وتقوم في حياة الناس على الأرض صراعات متعددة ...

فأما في المجتمع الإيماني فالصراع هو دائما الصراع بين الحق والباطل يأخذ صورا شتى.

صورة منه هي القتال ضد النظم والحكومات والجيوش الكافرة لإزالتها من طريق الدعوة باعتبار أن وجودها ذاته عائق واقعي يمنع الناس من الاستجابة إلى دعوة الحق ... فأما إذا أزيلت فلا إكراه على اعتناق العقيدة الإسلامية. ولكن تحكم شريعة الله ليستظل بعدالتها الناس جميعا ولو لم يدخلوا في العقيدة الصحيحة.

وصورة منه هي مجاهدة عوامل الانحراف في المجتمع الإسلامي ذاته، عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وصورة منه هي مجاهدة النفس الأمارة بالسوء، اللاصقة بالشهوات، حتى تصير إلى النفس اللوامة التي أقسم بها الخالق جل جلاله؛ لأنها تنهى النفس عن الهوى.

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} 1.

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} 2.

وأما في المجتمع الجاهلي فالصراع لا يدور أساسا بين الحق والباطل، وإن كانت تدور بين الحين والحين صراعات بين جوانب جزئية من الحق وجوانب جزئية من الباطل، إنما يدور الصراع أساسا بين قوى الباطل المختلفة، ويتخذ صورا شتى:

صورة منه هي عدوان أمة على أمة بدافع شهوة الغلبة والتوسع والعدوان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015