ب- الطغيان العقلي والفكري:
إذ عدنا لتلك الأسرار ذاتها، وموقف الكنيسة منها، وجدنا هذا الموقف ينطوي على لون آخر من الطغيان غير الطغيان الروحي.. مارسته الكنيسة لا على أرواح الناس هذه المرة ولكن على عقولهم وأفكارهم، حين فرضت عليهم هذه الأسرار فرضا ومنعتهم من مناقشتها، واعتبرت المناقش فيها أو الشاك في أمرها كافرا مهرطقا وجبت عليه اللعنة الأبدية.. وخرج من رضوان البابوية فخرج -من ثم- من رضوان الله!
ولقد كانت تلك الأسرار كلها منافية للمنطق ومنافية للعقل. ولا شك أن واضعيها كانوا يعلمون ذلك أو يحسونه على أقل تقدير، ويحسون أنها لو نوقشت -بالعقل والمنطق- فلن تصمد للنقاش! وإذ كانوا يصرون عليها، وعلى أنها هي الحقيقة -تضليلا بوعي أو ضلالا منهم بغير وعي- فلم يكن أمامهم إلا أن يستخدموا سلطانهم الطاغي لمنع المناقشة في هذه الأمور لكي لا تنكشف عن وَهْم لا وجود له إلا في أذهان واضعيه أو لا وجود له حتى في أذهان واضعيه!