لحظة. إنه الخليفة في الأرض، المسيطر فيها، والمهيمن عليها، القائم بعمارتها، ولكن بمقتضى المنهج الرباني المستمد من الهدي الذي يتنزل من عند الله لتنظيم حياة البشر على الأرضو وضبطها بالضوابط الصحيحة لتستقيم. وتلك هي"الأمانة" التي حملها الإنسان وأشفقت من حملها بقية الخلائق التي تخضع لأمر الله بالقهر ولا تقوم بعمل إرادي، أما الإنسان الذي وهب الإرادة والإدراك والقدرة على العمل والإنشاء والتعمير، والقدرة على الاختيار، فمهمته -أو الأمانة الملقاة على عاتقه- هي عبادة الله طوعا, وتعمير الأرض بمقتضى منهج الله، وهو "إنسان" طالما هو قائم بهذه الأمانة، أي: عابد لله وحده بلا شريك، ومعمر للأرض بمقتضى المنهج الرباني المتمثل في الحكم بما أنزل الله، والالتزام بما جاء من عند الله. ومواصفاته -أو ضوابط إنسانيته ومعاييرها- هي هذه الصفات الواردة في الآيات من خشوع في الصلاة وإعراض عن اللغو، وأداء للزكاة، وضبط لشهوة الجنس، ورعاية للأمانة والعهد، وصبر وصدق وقنوت وإنفاق واستغفار, ومغفرة عند الغضب، وقتال ضد البغي ... إلخ.. إلخ.

هذا مقياس ثابت لإنسانية الإنسان لا يطرأ عليه التغيير.

وكحقيقة إن هناك متغيرات كثيرة في حياة البشرية تنشأ من التفاعل الدائم بين العقل البشري والكون المادي، واستخلاص طاقات الكون وتسخيرها لمصلحة الإنسان، ولكن هذه المتغيرات كلها لا تغير القيم الثابتة التي تحكم حياة الإنسان، بل ينبغي أن يحكم الثابت المتغير لكي تستقيم الحياة على الأرض ولا تنفلت الأمور من عقالها فيصيب البشرية الخبل والاضطراب.

فهذه الطاقات أولا مسخرة من عند الله للإنسان.

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} 1.

والجهد الذي يقوم به الإنسان لتحقيق هذا التسخير والأدوات التي يستخدمها، هي من عند الله كذلك:

{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015