في وسط هذا الشر الهائل الذي يحققه الأشرار من وراء هذا النظام المخلخل المليء بالعيوب، والمليء بالثقوب!
فإذا عرضنا الأمر على الإسلام فهناك قضيتان رئيسيتان من وجهة النظر الإسلامية هما محور الارتكاز في الموضوع كله وهما أداة التقويم بالنسبة للديمقراطية أو أي مذهب آخر من المذاهب التي نناقشها في هذا الكتاب. هاتان القضيتان هما:
أولا: من المعبود؟
ثانيا: إنسانية الإنسان.
وقد وهّنت الجاهلية المعاصرة التي يوجهها اليهود كلتا القضيتين -والأولى بصفة خاصة- لغاية في نفوسهم، وزعمت -بالنسبة للقضية الأولى بصفة خاصة- أنها ليست محور الحياة الإنسانية ولا مقياسها، بل العكس -في زعمها- هو الصحيح! فالإنسان أرقى كلما بعد عن الدين، وأكثر تأخرا ورجعية كلما اقترب منه، على أساس أن حياة الناس قد مرت بثلاث مراحل هي السحر والتدين والعلم، وأن الدين -الذي يمثل المرحلة الوسطية من حياة البشرية- قد أخلى -أو ينبغي أن يخلي- مكانه للعلم من أجل تقدم الإنسان ورقيه وتحضره!
وأما القضية الثانية فقد زعمت الجاهلية المعاصرة أنه ليس لها مقياس ثابت! وأن الإنسان ليس له كيان ثابت أو صورة مثلى يُقوَّم بمقتضاها، إنما كل عصر له مقياسه، ومقياسه هو الأمر الواقع في ذلك العصر! والإنسان دائم التشكل على الصورة التي يقتضيها -أو يرتضيها- العصر بلا زيادة! ومن ثم فإنسانية الإنسان أمر لا يمكن أن يوضع له ميزان ثابت!
ولكن الإسلام يقوِّم الأمور بميزان الله سبحانه وتعالى، الذي أنزله ليقوم الناس بالقسط.
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} 1.
وميزان الله -وهو الحق- يقول إن قضية "من المعبود؟ " هي أهم قضية بالنسبة للحياة البشرية كلها في تاريخها كله، وإن كل شيء في الحياة الدنيا