الرومانية والقانون الروماني. ولم تغير المسيحية شيئا من سماته في هذه الناحية؛ لأن الكنيسة لم تحاول تطبيق شريعة الله، وتركت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجري على ما كانت عليه في ظل الإمبراطورية الرومانية دون تعديل يذكر، وحين نازعت الملوك والأباطرة سلطانهم لم يكن ذلك -كما أسلفنا- من أجل إلزامهم بتحكيم شريعة الله، كما فعل المسلمون في الأرض التى حرروها من قبضة الرومان في مصر والشام والشمال الإفريقي.. إلخ, إنما كان من أجل إلزامهم بالخضوع لهواها هي وسلطانها الشخصي.
وفي ظل الإقطاع لم يكن "للشعب" وجود إلا بوصفه قطعا آدمية لاصقة بالطين، لا كرامة لها ولا حقوق..
كان هناك ملوك مستبدون بالحكم يحكمون بمقتضى "الحق الإلهي المقدس" باعتبارهم "ظل الله في الأرض" فكلامهم أمر، وأمرهم مقدس، وما عنّ لهم من أهواء فهي أوامر واجبة التنفيذ.
ويعاونهم في تثبيت سلطانهم وتوكيده في الأرض أمراء الإقطاعيات الواقعة في ملكهم، مقابل إطلاق يد هؤلاء الأمراء "الذين يُسمون: النبلاء أو الأشراف" في إقطاعياتهم، يتصرفون فيها كيف شاءوا دون مراجعة ولا رقابة تضبط تصرفاتهم؛ لأن الذين يعيشون على أرض الإقطاعية هم إما عبيد وإما في حكم العبيد، وسلطان "الشريف" عليهم سلطان مطلق بحكم "القانون" فهو بالنسبة لهم يمثل السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية جميعا في آن واحد، وليس للملك على الإقطاعي إلا ما يفرضه عليه من الأموال "بمقدار ما يشبع نهمه ومطالبه" وتلك يستخرجها أمير الإقطاع من فلاحيه بالقوة الجبرية، وإلا "الأنفار" الذين يطلب الملك تجنيدهم في جيوشه ليموتوا من أجل تحقيق أهوائه ومطامعه.. أي: إن سلطة الملك في النهاية واقعة على أولئك العبيد من خلال سلطة أمراء الإقطاع، كما تقع عليهم السلطة المباشرة من أمراء الإقطاع لحساب هؤلاء الخاص.. وفي جميع الحالات يكون أولئك العبيد -وهم في النهاية طبقة "الشعب"- بغير سلطان وبغير حقوق، واقعة عليهم كل الواجبات.