إنه -من جهة- حق الإله الحقيقي على عباده، وليس حق الآلهة المدعاة، فبما أنه هو الخالق فهو -سبحانه- صاحب الأمر: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} 1.

ثم إنه -من جهة أخرى- حق العليم الخبير، وليس حق الجهال المحدودي الآفاق: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} 2.

وفي عقيدة التوحيد تكون الحاكمية- أي: حق التحليل والتحريم والإباحة والمنع- لله وحده ودون شريك.

وفي الجاهلية تكون الحاكمية للبشر مع الله، بخلط شيء من التشريع الإلهي مع شيء من التشريع البشري، أو من دون الله، بنبذ التشريع الرباني جملة واتخاذ شرائع كلها من صنع البشر، سواء كان البشر فردا حاكما بأمره، أو فردا حاكما بمشورة طائفة غيره من البشر، أو كانوا كل البشر على السواء ... وكل ذلك إشراك مع الله وكفر بالله3.

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 4.

{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} 5.

{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 6.

ويختلف الأمر اختلافا بينا ما بين عقيدة التوحيد، التي تجعل الحاكمية لله، وعقائد الشرك والكفر التي تجعل الحاكمية للبشر مع الله أو من دون الله.

يختلف أولا من ناحية الكرامة البشرية، ويختلف ثانيا من ناحية الواقع البشري. فأما من ناحية الكرامة البشرية ففي عقيدة التوحيد، التي تجعل الحاكمية لله، يكون الناس عبيدا لله وحده -وهو الكريم المكرم- متحررين من كل عبودية لغير الله، مستعلين بوجودهم على الطواغيت. وفي عقائد الشرك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015